يشكل الرقم أربعون لغزا محيرا في العقل الجمعي العربي والإسلامي وفي الاديان كافة، وكذلك في العادات والتقاليد والفولكلور،منذ الديانات الابراهيمية الثلاث والتراث العربي ثمة قصص واساطير وحكايات حفظها الناس وطبقوها في حياتهم اليومية منها مثلاً: النبي موسى عليه السلام واتباعه ضاعوا في صحراء سيناء اربعين سنة والسيد المسيح يحارب الشيطان في البرية اربعين يوما، والرسول الاكرم محمد صلى الله عليه واله وسلم يبعث رسولا في سن الاربعين، وعند المصريين القدامى لا تفارق الروح الجسد الا في اليوم الاربعين، القرآن الكريم يورد ذكر الاربعين في اكثر من اية بخصوص النبي موسى واليهود في التيه الاكبر، وكذلك قول الرسول صلى الله عليه واله - ما أخلص عبد لله اربعين صباحاً الا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه، ثم يتلقى موسى الالواح في اربعين يوما، هذا فضلا عن طقوس العارفين والمتصوفة، حين يعتزلونالعالم اربعين يوما في خلوة سرية للعبادة والتهجد.
اما في عادات الناس وطقوسهم، فهناك مثلا عدة المرأة اربعين يوما ولاتطهر بعد الولادة الا بعد اربعين يوما وقصة علي بابا والاربعين حرامي، واربعين المولود ومن ثمة اربعينية الميت، اذاً ليس عبثا ان يذكر هذا الرقم في التورات والإنجيل والقرآن، ما هي دلالاته وتراكيبه؟، يبدو أن الاربعين هي فترة مدة طبيعية اسمها فترة الضياع، اي دورة الطبيعة والانقلاب الفصلي بين السنين تمتد الفترة ٤٠ يوما وعودة الخصب والنماء، وهي عند المتصوفة واهل العرفان فترة التطهر من الذنوب والرزايا خلال العزلة والتطهر عند المرأة النفساء، ثم يزار الموتى في الأربعين ومن هنا بدأت الزيارات الكبرى للامام الحسين عليه السلام حين عاد موكب الاباء بقيادة الإمام علي بن الحسين واخته السيدة زينب بعد أن عادوا من الشام وقبل أن يتوجهوا الى المدينة عرجوا الى كربلاء مع رؤوس الشهداء.
وهنا ثمة اختلاف بين المؤرخين في قصر الفترة من خمسة في الشهر صفر الى العشرين منه، كيف يمكن للسبايا أن تقطع طول المسافة بين الشام وكربلاء في خمسة عشر يوما، المهم تم الامر رغم الاختلاف المعلن وصار من الطقوس المهمة للمؤمنين ومحبي الإمام الحسين، وصار الملايين تترى ساعية على قدميها رغم قوانين الحكومات الجائرة و رغم وجود الارهاب، الذي فتك بكثير من قوافل الزوار الماشين، لكن الامر لم ينقطع واستمر على مدى الازمان وكأنه أصبح جوابا مفحما لسؤال الإمام الحسين الذي مازال يدوي عبر التاريخ: هل من ناصر ينصرنا؟ واذا بالناصر يأتي ولو بعد حين ماشيا بجموع مليونية لاتقهر ولا تخاف الموت، لقد اكتملت دورة الزمن بعد ان وضعت السيدة زينب عليها السلام الحجر الاساس منذ العاشر من محرم وقدمتلأخيها الحسين، الذي تحول الى أقدس قربان بشري موجه الى السماء، فصارت فكرة خلاص عالمية وتضحية عظمى، بحيث انها صارعت الاساطير وتغلبت عليهافي الخلود والثبات في العقول والأفئدة وفي معتقدات الشعوب.