حين كتب عبد الرحمن شرقاوي مسرحيتيه» الحسين شهيدا» و» الحسين ثائرا» كان يدرك عمق ما تحمله الفكرة الحسينية، بوصفها التاريخي والانساني، أو بوصفها القيمي، إذ جعل من الاحداث مجالا لتحريك سرديات المواقف، وللتعبير عن جوهر الفكرة الغائر  في 

الوجدان وفي السيرة وفي اللغة، وهذه المحمولات ما كان لها أن تكون لولا ما تحمله من سؤال وجودي كبير عن فصل المعنى، وعن صلادة الموقف، وعما تعنيه الكلمة، التي اطلقها الامام الحسين رافضا وثائرا وعارفا، وهي بطبيعة الحال ليست كلمة عابرة، ولا جزءا من جدال سياسي مسكون بالمصالح والارتياب، بل هي كلمةُ ثباتٍ، كلمةُ وعيٍ، كلمةُ مسؤولية، حيث يكون الانسان ذاته هو الكلمة، هو القائل فيها والحامل لها، والطاعن في استعارتها ومجازها وفيضها.

علاقة الحسين بالكلمة، هي ذاتها علاقته بالتاريخ، بالمكان، بالدم، بالشهادة، وبكلّ ما جعل الحسين ثائرا وشهيدا، وواقفا عند الحق، ملهما لأجيال تعلمت من كلمته وضوح المسار، إذ لا مسار بدون الكلمة، بوصفها الدلالي أو التواصلي، والتي تحولت في السيرة الحسينية الى خطاب لمواجهة «الجمهور» ولمواجهة «السلطة» في آن معا، فالجمهور يحتاج الى الوضوح والمعرفة والمعنى والرأي، والسلطة تحتاج الى النقد والرفض والمواجهة.

في مسرحيتي الشرقاوي تبدو الثيمة وكأنها قراءة فاحصة للتاريخ، ليس لتاريخ الحدث الكربلائي فقط، بل 

للحدث السياسي الذي استبدت به السلطة العضوض، وغوّلت ظلامته، ليستشرف من خلالها منظورا نقديا لطبيعة تلك السلطة، من خلال رموزها/ اسمائها، ومن خلال ماتومئ به « اللغة» بوصفها المشعل والمحراب 

والدسيسة.

الحدث المسرحي هو الحدث الذي تصنعه الشخصيات، عبر نقائضها وعبر صراعها، وعبر مواقفها، فآل مروان بن الحكم وهم مضغة الاستبداد جعلوا من الدسيسة السياسية عتبة لترويج « البيعة» التي تستدعي الكلمة، حيث الاستسلام وحيث الخديعة وحيث الضلالة، وبالمقابل كان آل الحسين واصحابه بهجة الرسالة، حيث جعلوا من المسؤولية والموقف والثبات خيارات ورهانات كبرى، لرفض تلك «البيعة الخؤون» بوصفها ضدا للأمة، والايمان، وحتى للجماعة التي تعرّضت الى اهواء المخادعة، والى التهوين والتخويف، والتخديع، حيث عزْل الرسالة عن اهلها، وعن جوهرها، وعزْل الإمام الحسين عن أصحابه، وتركه أمام الخيار الصعب للكلمة، ليقول فيها ما يؤكد عظمة الايمان وجَلدَ النفس الصبورة المحتسبة، وليجعل منها الشرقاوي افقا للوضوح، ولتعرية تاريخ السلطة من كل مدوناتها وأوهامها. 

أتعرف ما معنى الكلمة

مفتاح الجنة في كلمة

ودخول النار على كلمة

وقضاء الله هو الكلمة

الكلمة لو تعرف حرمة/،

زاد مذخور

الكلمة نور

وبعض الكلمات قبور.

هذه اللغة الفاصحة والفاضحة، لم تكن بين فكرتين، أو سياستين، بل كانت بين موقفين، حيث ينحو الأول الى المجاهرة بفرض ارادة الشر، وحيث يفتح لنا الثاني ضوءا للمعرفة، لإدراك السرائر، وبيان مفهوم القوة حين تكون خالية من القيمة، إذ يتحول السيف الى قهر، والى توحش، وما حيا لجلال الفكرة، ولقدسية الرسالة.

الأول هو موقف تلبّد بالشر، والخديعة، فصار عنوانا للفساد في الأرض، وإباحة الحرمات، وقطع الارحام، وتشويه الحقائق، والثاني صار عنوانا لانتصار الدم على السيف، والاصل على الطارئ، إذ تعالت كلمة الامام الحسين لتكون رمزا، وعلّوا وفخرا، ولتظل سيرته ماكثة في الضمائر وفي الكتب وفي القصائد، وحتى في مسار الثورات والمعارضات التي عاشها المكان العربي منذ سنة 61 هج الى يومنا هذا، تنشد منه الزخم والسمو، وتتنهل منه المعاني التي تعزز في النفوس الثقة والايمان، إذ كان موقف الحسين في كربلاء ساميا في جلاله، كلمته اقضّت مضاجع الظالمين، فسرت في الارض مسرى الوجود، حكما للقيمة، وثقة بالأصل وبالرسالة، وبقيمة ماتحمله الكلمة التي جعل منها عبد الرحمن شرقاوي عناوين للثورة وللشهادة.