دلالات تتعدى أدبيَّة الشعر

ثقافة 2020/10/09
...

  جبارالنجدي
 
ربما تقع مجموعة الشاعر علي ابو عراق (التميمة والنهر) خارج نطاق الدائرة التي بدأ منها فهو يصرف جل عنايته اعتمادا على فكرة تتمثل بأنه لا يمكن اللحاق بالمستقبل بإرث من الماضي، ولذلك فإن نصوص المجموعة تعتمد على ذاتها في صياغة وجودها حاملة لدلالات تتعدى أدبية الشعر إلى مايجاورها من معانٍ تماثل الوطن وتسعى إلى أرشفة صوره الاحتجاجية، بوصفها ممارسات فاعلة ومستقاة من المخيلة الشعبية لأنماط معاشة وماتنطوي عليه من رؤى في رصد والتقاط شيء انساني يصعب لمحة في التظاهرات التشرينية عبر شطرين متوازيين في المجموعة وبأداء تناوبي 
لميراث الأسى في الوطن، بعيدا عن ضبابية المجاز والتسطح المباشر وبين صلابة القناعات وفرط 
العاطفة في درجة القول الشعري الحافل بالمغامرة الشعرية التي تتجلى كمن (يلعب بالعصا 
المغموسة بالنار) وهكذا تتولى النصوص كلامها بدراية واسعة الأغراض حول المسلك الإنساني للمحتج الذي، التي تظهر 
عددا من المعاني المختلفة للكلمة الواحدة وحسب استعمالاتها.
إن نصوص المجموعة لا تأخذ معيارها من خارج محيطها حتى في ترخيصات الإزاحة فيها كونها لصيقة بمادة الحياة وذلك كله يعود إلى فطنة الشاعر في جمع ثيمات متعددة بقصد مقاربتها لتعطي شيئا مختلفا وهو الشاغل الشعري في المجموعة وبموجبه يعلن الشعر نفسه بألسن عديدة ويعيد صياغة نفسه من جديد على وفق بناء تخييلي آخر من شأنه مضاعفة المعنى لمظاهر الاحتجاج التي 
تغمرنا باليقين بأن الوطن هو مجموع نكباته:
الوطن سفينة
والعواصف شراع
وعلى أساس هذا المعيار فإن الشاعر علي ابو عراق يسعى إلى تزويد المتلقي بوسائل التأثير التي لا ينظر إليها من الوجهة الوصفية بقدر ماينظر إليها من الوجهة الدلالية:
أغانيك
ترفض الإنحناء
وتتسلل من كوى زنزانتك
شموسا، وسنابل
تنشطر كالسبورات
فيغرق العالم بالنور
وتتعلم العصافير
أغاني الحرية
قبل أغاني الصبح
إن نصوص المجموعة تحفل بكل ماهو مرئي سعيا لإثارة ما يقع خارج النص، الأمر الذي يتيح للمتلقي رؤية ما لايراه وفتح السبيل لصياغات شعرية بالغة الإيجاز، حتى يصل الأمر إلى أن النص يختصر حيثما يكون الإسهاب ملفتا النظر في الأوان ذاته إلى فخامة الحس الإنساني في الشعر:
أدهشني كثيرا؟
أن هناك مطاردين للريح 
ومن ينصبون فخاخا للعواصف
يتعقبونها ككلاب
 سلوقية 
وعليه فإن الشعر يتوسع في ما ليس له لدرجة لا تسمح لنا بالقول بأن الشعر ليس شيئا آخر سوى نفسه وتلك مسألة تستحق أن تؤخذ بعين الأهمية والاعتبار.