عبد الله بن جعفر

ثقافة 2020/10/11
...

   أحمد داخل 
 
من الأهمية بمكان دراسة الشخصية التاريخية لأنها ستطلعك على طبيعة الظروف والأحداث التاريخية التي أحاطت بتلك الشخصية، لا سيما إذا كانت ممن عاصرت الرسول(ص)، وعصر الخلفاء الراشدين. هذا ما جاء في دراسة الباحث والأكاديمي الدكتور أنور المياح عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب(1-80ه) - دراسة في حياته العامة- والتي جاءت على شكل مقدمة، واربعة فصول وخاتمة، واحتوت على (235) صفحة من القطع الكبير، والمطبوعة في دار الرافدين/ بيروت 2017.. لقد وضع الباحث من خلال المقدمة فرشة تاريخية عريضة يستدل من خلالها على تتبع شخصية( عبد الله بن جعفر) وتحديد مسارها التاريخي بأسلوب سرد تاريخي علمي قائم على البحث والتحليل في تفكيك النصوص التاريخية يبتعد عن لغة الإنشاء والنقل، لذا تعد هذه الدراسة من الدراسات الأكاديمية التي تعتمد التحليل والتقصي في خفايا الشخصية التاريخية، فالكثير ممن تناول عبد الله بن جعفر كان يمر مرورا عابرا لم يرعو أهميته التاريخية، واحسب أن الخوض في هذا الموضع قد كلف الباحث جهدا ووقتا في البحث والتمحيص في كتب التاريخ كالسير والتراجم التاريخية والسنن واذكر منها على سبيل المثال لا للحصر (البخاري والسيوطي والبيهقي والأصفهاني والترمذي والواقدي وابن خلدون والمسعودي وبعض كتب التاريخ المعاصرة وغيرها) من أجل الإحاطة الموضوعية، وإعطاء الدور التاريخي الذي لعبه عبد الله بن جعفر كواحد من أبناء الصحابة الذي ولد بعد الهجرة النبوية الشريفة، ومن الشخصيات التي لاقت مقبولية عند جميع المذاهب الإسلاميَّة.
لقد خصص المياح الفصل الأول للسيرة الأسرية لبعد الله بن جعفر، وهو أمر في غاية الأهمية ليتسنى للدارس معرفة نسب الشخصية ومدى قربها من رسول لله (ص) فهو: (عبد الله بن جعفر أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب..ص17)، ثم يتطرق الباحث إلى منزلة أبيه من رسول الله (ص)، مستذكرا بذلك موقف الرسول (ص) عند قدوم جعفر بن أبي طالب (ع) من الحبشة التي هاجر إليها مع مجموعة من المسلمين، لاجئا من بطش قريش في بداية الدعوة، والذي صادف قدومه مع فتح المسلمين لحصن خيبر آخر القلاع الحصينة لليهود، فقال النبي محمد(ص) فيه قولته المشهورة (ما أدري بأيهما اُسر بفتح خيبر أم بعودة جعفر.. ص30). أما حياته مع عمه الإمام علي(ع) فقد كان قريبا منه، ملازما له فهو ابن أخيه وزوج ابنته السيدة زينب(ع). هذه السمات التي يتمتع بها عبد الله بن جعفر جعلته يكون ذا شأن عظيم بين المسلمين، وله مواقف بارزة في الكثير من المعارك والغزوات التي خاضها المسلمون، تناولها المياح من خلال الفصل الثاني للدراسة - الدور العسكري لعبدلله بن جعفر(ع) . وثمة إشكالات يضعها بعض الباحثين حول مسألة عدم مشاركة عبد الله بن جعفر في الفتوحات الإسلامية، إلا أن الباحث يحاول إزاحة هذا الغموض والالتباس. فهو اشترك في جبهة الشام وخاض العديد من المعارك ضد الروم تحت إمرة أبو عبيدة الجراح، وحين طلب المدد في إحدى المعارك بادر أبو عبيدة إلى نجدته (فأرسل خالد بن الوليد ومعه الإمدادات، واستطاعا أن يحققا النصر معاً ويهزما جيش الروم..ص 84).. كذلك كان له دور في الحروب التي وقعت في عهد خلافة الإمام علي (ع)، وكان يقاتل إلى جانب أولاده الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية (ع) في - الجمل والنهروان وحرب صفين (لقد أظهرت معارك صفين مدى شجاعة عبد الله بن جعفر (ع)، فقد كان يتقدم الجيش ويقاتل بشدة وبمعنويات عالية، ص 108). ولعل المحطة التاريخية الأهم في حياة عبد الله بن جعفر يتناولها المياح في خلال مجريات الفصل الثالث الذي خصصه للدور السياسي لعبد الله بن جعفر، إذ يفند الباحث بعض الأقاويل للمستشرق الفرنسي (شارل بيلا) هو إنكار الدور السياسي لعبد الله بن جعفر، لكن الباحث من خلال البحث والتمحيص لعدد من النصوص التاريخية يستدل إلى المكانة السياسية، التي كان يتمتع بها عبد الله بن جعفر، وخصوصا في عهد خلافة الإمام علي (ع)، فهو من الذين استشاره الإمام إلى جانب الحسن والحسين (ع) في مسألة عزل بعض الولاة غير العاملين (قال: عبد الله بن جعفر يا أمير المؤمنين دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، اعزل قيسا وابعث بثقتك مكانه... ص119)، وكذلك الأمر تكرر في مناصرة وتأييد الإمام الحسين (ع) حين رفض البيعة من يزيد بن معاوية، لكنه أراد المهادنة وأخذ الأمان للحسين(ع) من الأمويين خوفا عليه، وحين صارحه الإمام الحسين(ع) بغدر الأمويين أيده في ذلك.