هادي العلوي، (1933 – 1998) مفكر مشاعي صوفي عراقي اهتم بالتراث العربي وقرأه قراءة نقدية. كان مهتما بالحضارة الصينية أيضا، توفي عام 1998 في دمشق التي دفن فيها، كان كاتبا متميزا، ألّف الكثير من الكتب التي تدور حول التراث والحضارة العربية والصينية وغيرها الكثير من المؤلفات القيمة. تعد شخصيته من بين الشخصيات الأكثر اختلافا في الثقافة العراقية والعربية وفي حقول المعرفة الفلسفية والدينية. ترك هادي العلوي إرثا متنوعا من الكتابات الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفلسفية، مثل اراء واصداء ونظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي والرازي فيلسوفاً وفصول من تاريخ الاسلام السياسي ومن قاموس التراث، المستطرف الجديد، المنتخب من اللزوميات نقد الدولة والدين والناس وشخصيات غير قلقة في الاسلام والمستطرف الصيني وكتاب التاو ومدارات صوفية وديوان الوجد والمرئي واللامرئي في الأدب والسياسة وديوان الهجاء وقاموس الإنسان والمجتمع وقاموس الدولة والاقتصاد، وقاموس العلوم والصناعات وكتاب فصول في تاريخ الاسلام السياسي وخلاصات في السياسة والفكر السياسي في الاسلام ومحطات في التاريخ والتراث.
شبح مقبل من الفراغ
في البورتريت الذي رسمه الفنان الصيني زهاو مينغ لـ (هادي العلوي)، يظهر العلوي كأنه شبح مقبل من الفراغ، من اللاشيء وذاهب الى اللاشيء فهو أقرب الى انبياء الصين لاوتسه، كونفوشيوس، استخدم الفنان زهاو الاحبار المائية ليظهر ظل الكائن ووجوده الهلامي في التاريخ الانساني، وهذا يأتي نتيجة منطقية لحقل الثقافات الصينية والتي هي منظومة معقدة وبالغة الاتساع والشمولية. اطلق على هادي العلوي سلسلة من التسميات، الولي، المثقف المتمرد، اليساري، الملتزم، التاوي الماركسي المتصوف، مارس التصوف والنباتية والامتناع عن أكل اللحم وتأليه المرأة الذي يخرج صاحبه من الحسية الجنسية الى التواصل الروحي مع ظاهرة الجمال الأنسي. انتقل من الشيوعية البدائية الى التاوية الصينية.
المزاوجة والأقلمة
كان جوهر عمل العلوي هو المزاوجة بين الماركسية والتراث الشرقي، ويوعز فشل التجارب الشيوعية في العالم الاسلامي الى (أحادية المرجعية، اذ اعتمدت حصراً على المصادر المترجمة واهملت مصادر التأهيل في التراث المكتوب والتراث المشفوه، أي تراث الحضارة الإسلامية وفي البيئات المحلية)، وعلى هذا الأساس دعا (الى أقلمة الماركسية لتحقيق الاطار الشمولي للفكرة إذ لايمكن أن نقول أسلمة الماركسية لوجود مسيحيين، ولا نقول تعريب الماركسية لوجود اكراد وبربر وسريان، وتتم الاقلمة بالطريقة نفسها التي جرى بها (تصيين الماركسية) في الصين، إذ وفرت الاطار التنظيمي للاقتصاد والسياسة والاجتماع البشري .
المثقف الكوني
استخدم العلوي مصطلح (المثقف الكوني) وهو مصطلح استحدث لوصف (مثقف) (مثقفين) يتميز بعمق الوعي المعرفي والوعي الاجتماعي، فضلاً عن ذلك بعمق الروحانية التي يمتلكها تجعله قوياً على مطالب الجسد ومترفعاً عن الخساسات الثلاث، (المال، الجنس، الجاه) ومن ثم هذه الصفات تجعله قادراً على خوض النضال ضد سلطة الدولة وسلطة المال. للعلوي موقف آخر عن المثقف، إذ تتسم بالعداء ففي كتاب (مدارات صوفية تراث الثورة المشاعية في الشرق) يقول (سبقني الى معاداة المثقف شيخنا الروسي فلاديمير الذي اتهم المثقفين بالرخاوة والروح البرجوازية، وهذا الوصف يأتي من طبيعة الثقافة الغربية التي يستلهمها المثقفون العرب، وعدائي لهم وهو جزء من عدائي للثقافة الغربية، لذا نجد عند المثقف التكالب على الامتيازات فهو مأخوذ بالخساسات (المال والجنس والجاه) وهنا ممكن رخاوتهم وانتهازيتهم ).
تمايز ثقافات
العلوي يميز بين الثقافة الغربية والثقافة الحديثة رغم ان الثقافة الحديثة نشأت في الغرب ايضا فهو يقول (الثقافة الغربية تتألف من عبودية الفكر الفلسفي اليوناني وهمجية الرومان، تلقيم الاسرى والمسيحيين للضواري)، إبادة المدن المحتلة وتدمير الحضارات المنافسة ثم همجية الكنيسة القروسطية والعنصرية واخيرا ثقافة العصر الراسمالي المتجذرة في التجارة والتملك الخاص، اما الثقافة الحديثة فقد نشأت في اوربا من مصدرين اساسيين، الرشدية اللاتينية وهي فلسفة ابن رشد المترجمة الى اللاتينية التي تحولت الى الثقافة الحرة لاوربا في اواخر القرون الوسطى واوائل عصر التنوير ومنها انتشر المد التنويري الذي توّج بثقافة القرن الثامن عشر الفرنسي. والمصدر الثاني هو المسيحية الانجيلية اي المسيحية مقروءة في الاناجيل الاربعة واعمال الرسل بما تحمله من مشاعية الشرق وروحه الجماعية وشفافيته الانسانية.
الصوفية الاسلامية والتاوية الصينية
يُبيّن العلوي أن أقرب المذاهب الى الصوفية الاسلامية هي التاوية الصينية، التاوية الفلسفية من دون التاوية الدينية، وبينهما جذر المشاعية والكفاح ضد سلطة الدولة وسلطة المال قاسم مشترك للمتصوف والتاوي، يرى ان الحكمة الهندية والزرادشتيه والمانوية تأخذ منحى غنوصيا ضعيف التأثير على التصوف بمناحيه الثلاثة المعرفي والاجتماعي والاهتيامي، ويرى العلوي ان الصوفية الاسلامية نشأت ردا على عسف الدولة وطغيانيتها وعلى اشتداد التفاوت الطبقي في جهة اخرى، إذ نجد الموقف المعارض للدولة وسياستها الاقتصادية من قبل المتصوفة، متضمنا في جوهر الدعوة المشاعية الى عدم الاكتناز وتوزيع الثروة الاجتماعية بالعدل.