ميادة سفر
كثرت في الآونة الأخيرة معاهد ومراكز لتعليم اللغات الأجنبية، تركزت في البداية على الإنكليزيَّة والفرنسيَّة على اعتبار أنهما الأكثر ضرورة لمن يفكر بالسفر والهجرة خارج بلاده إلى دولة أوروبية أو إلى الولايات المتحدة
الأميركية.لكنّ حالة اللجوء التي فرضتها الأحداث الأخيرة في بعض الدول العربية، أجبرت تلك المراكز على تنويع خدماتها لتضيف إليها لغات جديدة لم تكن مطلوبة سابقاً كالألمانية والروسية والهولندية
وغيرها.
قبل التطور التكنولوجي وظهور أجهزة الموبايل والكمبيوتر وآلاف المواقع الإلكترونية التي أكثر ما تعتمد على اللغة الإنكليزية، لم يكن تعلم لغة أجنبية يحظى إلا باهتمام قلة قليلة من الأفراد، حتى مادة اللغة التي تدرس في المدارس لم تكن تنل في غالب الأحيان كبير اهتمام لا من قبل الطلبة ولا حتى المدرسين.
لكنّ الانفتاح العالمي الذي حصل في السنوات الأخيرة فرض تغيرات كثيرة على الحياة، وبات تعلم لغة الآخر حاجة وضرورة أكثر منها ترفاً، لأنَّ اللغة العربية كواحدة من اللغات الحية لم تعد كافية لدخول العالم، بل لا بدّ من اقترانها مع إحدى اللغات الأخرى، من حيث إنّ أول سؤال يطرح اليوم على المتقدم لأي عملٍ على سبيل المثال كم لغة تتقن، واحدة، اثنتان أم ثلاثة؟، ويحظى متعدد اللغات بفرص عمل أكثر من غيره.
قد يعارض البعض تعليم وإتقان لغة أخرى غير العربية، بحجة أنّ ذلك قد يؤدي إلى اندثارها مع الوقت، لكنّ هذا غير صحيح، فما زالت أغلب الدول العربية تدرس مناهجها باللغة العربية وتشكل مادة رئيسة في المنهاج الدراسي، ويتكلم بها الأفراد في ما بينهم.
شددت الدول الأوروبية على حفاظ اللاجئين العرب على لغتهم الأم إلى جانب تعليمهم لغات أخرى، وهو ما يؤدي إلى إثراء ثقافتهم، وبقاء ارتباطهم بأوطانهم، على اعتبار اللغة أحد الروابط الأساسية بالأوطان، فضلاً عن أنّ منظمة اليونسكو تشدد على الحفاظ على اللغات الأم في بلاد العالم المختلفة والتي تقدر ب 7000 لغة حية، الأمر الذي يدحض مزاعم أولئك الذين يعدون تعلم لغة ثانية يضعف
الأولى.
ربما نصل إلى وقتٍ يوصف فيه الإنسان الذي لا يتحدث إلا لغة واحدة بالأمي، لأننا اليوم نعيش في فضاء عالمي مفتوح ولم يعد أي فرد بقادر على العيش بمفرده من دون التواصل مع الآخرين من دول وبلاد مختلفة.
اللغة العربية برغم أهميتها وضرورة إتقانها للناطقين بها، غير أنها لم تعد تكفي الأفراد الطامحين لتحسين مستوياتهم الاقتصادية والحياتية والاجتماعية، لأنَّ أي عمل تقوم به يحتاج معرفة ولو بدائية بالإنكليزية، فضلاً عن أنّ اندماج الإنسان في مجتمعٍ جديدٍ "اللاجئون مثلاً" يفرض عليه إتقان لغته ليتمكن من التواصل مع محيطه.
يجسد تعدد اللغات عاملاً للتنوع الثقافي بين الشعوب، ويساعد في تبادل وجهات النظر وتجديد الأفكار، فضلاً عن توسيع قدرة الأفراد على التواصل.