ياسين النصيَّر

ثقافة 2020/10/12
...

ياسين النصيَّر

عندما نفكر بأهمية شيء ما نطويه إما في ذاكرتنا، أو في ملف من ملفاتنا لوقت نحتاج إليه، فالطي يعني اخفاء وجه الشيء في وجه آخر للشيء نفسه، ويكون الاحتفاظ عبارة عن تكرار لوجوه الشيء، هكذا يطوي الزمن حياتنا بين طيته الأولى(الولادة) وطيته النهائية(الموت)، أما ما بين الطيتين، فهو تقليب لوجهنا العلني المخفي وكأننا مرآة لأنفسنا نقلب ايامنا في الطريق المعشوشب، هكذا يصورنا بيكاسوا في لوحة النزول على السلم حيث اختلاط الجسد في طيات الزمن، يحدث هذا عندما تكون الحياة مستمرة باستقامة لا تقاطع فيها، ولكن هذا لن يحدث دائمًا، فثمة تقاطعات تعيدك إلى الوراء لتسكن فيها دون حراك، ففي المجرى الزمني ثمة طيات لجزر وأعماق وشعاب تشكل تعرجات لطيات أخر، كل الأنبياء كانوا قبل أن يدخلوا طية النبوءة بشرًا عاديين، ما ان وجد نوح السفينة حتى وجد اليابسة، وما أن وجد موسى الصحراء حتى وجد الماء، وما ان وجد عيسى المذبح حتى وجد الشهادة، وما أن وجد يونس الحوت حتى وجد التأمل، وما ان وجد يوسف الجب حتى وجد الإيثار، وهكذا بقية من كانوا عاديين ثم اصبحوا متميزين، ثمة تعرجات/ طيات تخفي ما سبق في ما أتى، فالوجوه القديمة تطوى في الوجوه الجديدة ويصبح التكرار توليدا. يعني هذا أن الشيء لا يكتفي بحضوره، فما نراه ظاهراتيا أمامنا، ليس إلا الوجه المباشر للطية الظاهرة، بل يكون الشيء في كمون طياته،اكثر ثراء من تكشفه، علينا ألا نتسرع في الحكم بأن الاشياء لا تحتوي إلا على ما نراه، ففيها ما لم يكتشف، عندما نفكر أن الأشياء الثمينة نطوبّها في صرار أو بنوك، أو باطن الأرض، يعني اعتقادنا أن لها اوجها لم تظهر، وأهم الطيات تلك التي يرى الشباب انفسهم في كبار السن، هكذا تعلمنا القراءة الاستكشافية للنص من انها قراءة أولى شابة، تتجول في منجز ظاهر النص، لتأتي القراءة الاسترجاعية وهي القراءة الكاشفة، أما القراءة الثالثة ستكون مزيجًا من الاستكشاف والاسترجاع والتأويل. فالأشياء أفكار، لا تتكشف حقيقتها إلا بتناقضاتها هذا جانب عادي من التصور لمفهوم الطي بمعنى الخزن الملتف على نفسه، أو الخزن الذي يحمل الهويات المختلفة للشيء، كل طية تحمل اسم الشيء نفسه، لكن الشيء نفسه ليس طية واحدة، وما الاسم إلا تكرار لطياته، المختفية في علاقة الجثة بالحبر، كما يقول الشاعر رعد عبد القادر:
"الجثة المخبأة في أوراق/ التحقيق/ كشف عنها الدمُ/ في المحبرة"
فالحبر يكشف عبر الكتابة عن طيات الشيء المخفية، إن الجانب الأكثر غموضًا هو أن ترى الشيء في طياته كما لو كانت الطية الشيء نفسه في كل وجود له، أي أن كل تحقق لموت الجثة يتم الكشف عنه في محبرة دم جديدة. وهكذا يكون الحضور غيابا ما دامت الجثة مطوية في اوراق وجهها قفاها. وكما تقول جوليا كرستيفا، "حسب نظرية الكوارث لـ "توم" الذي يشير إلى أن كل عنصر من الطية ينتمي على الأقل إلى مساحتين أو في الأقل إلى تركيبين هما الوجهان للورقة المطوية "(الحياة/الموت)، "إن المسافر حينما يجتاز الحدود يسير أول الأمر على حافة هاوية البلدين اللذين تفصلهما أعلامهما، العلم طية لهوية البلاد، حيث يقترن الممر بتنظيم آليات صلاحية المرور. أما من يسكن من الناس في منطقة الحدود نفسها، فسيكون من الذين يعرفون أنهم من سكنة الطيات، أي أولئك الذين يختفون وراء أقنعة العمل، هؤلاء الساكنون في الحدود يملكون ذاتية مطوية، لهم خطاب ذو كمون حمالي- طيف، تقول كرستيفا"لا نرى الطابع التضميني حسب هلميلسيف في هذه الذاتية المطوية، فهو يحوي الأمكانيات للممثل الهزلي، المهرج، الغاوي من خلال أقنعة تبقى إلى حد ما بعيدة عنه، كما فيه أيضا ميل المعلق والمنظوم، حاكم الإشارات، الفيلسوف، الميتافيزيقي في أفضل أوقاته". أن تعمل في منطقة الحدود، يعني ألا تعتمد الهوية  الظاهرة لك، ثم هويات مختلفة مطوية في الهوية المعلنة.