مقابلة الكاظمي وسياسة التلميح

آراء 2020/10/13
...

 د. فاضل البدراني 
دفعتنا المقابلة التلفازيَّة الخاصة برئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي مع رئيس شبكة الإعلام العراقي الزميل نبيل جاسم عبر قناة العراقيَّة، الى إخضاع الرؤى والطروحات والتوجهات الحكوميَّة الى مزيدٍ من النقاش والتحليل إنْ كانت طروحات تلميح أم تشخيص للحالة
العراقيَّة.
المقابلة خضعت للتحليل في ما ورد من كلامٍ لفظي، وكذلك في تفسير لغة الجسد إزاء كل حركة وإيماءة تبدو على السيد الكاظمي وهو يجيب عن أسئلة هي بالأصل مطروحة من الشعب ومن مسلمات الواقع الذي يسجل تفاصيل استثنائيَّة خطيرة يشهدها
بلدنا.
 وحيال متابعة دقيقة لوقت المقابلة الذي امتد لساعة من الزمن، وبعد أنْ أدركت أنَّ ما أمتلكه من قناعات وتصورات هو ذاته الذي بدا لي من إجابات رئيس الحكومة، سواء كانت اللفظيَّة أو ما كشفت عنه لغة الجسد بوضوح. 
لقد انساق الحديث في جملة أمور عن التراجع العراقي في مجالات الصناعة والزراعة والتجارة والتنمية والبناء، والثقافة والعلوم والتكنولوجيا، وبإقرار هذا التراجع فإنَّ الخدمات بتحصيل حاصل تراجعت كثيراً عن المجتمع وحل الفقر والبؤس وتفشت الأمراض والمشكلات الاجتماعية بغياب خدمات المؤسسات الصحيَّة والنفسيَّة، لكن لماذا كل هذا يحصل إنْ كانت هناك حكومة وأحزاب ووزارات ومؤسسات وعلاقات دوليَّة مع بلدان العالم؟
إنَّ مقابلة رئيس الوزراء اتخذت أسلوب التلميح وليس التشخيص لبعض الأمور عندما يقول: جهات تحاول إفشال العلاقة مع الولايات المتحدة وهناك جهات فاسدة. إلخ. إنّ الفساد الذي شكل سلوكاً وثقافة عند كثيرٍ من القوى السياسيَّة والحزبيَّة والإدارات التنفيذيَّة التي تعمل كما أصبحنا نألفها أدوات بيد الأحزاب، فالعراق أصبح سوقاً استهلاكيَّة لبضائع وسلع مستوردة، وفقد بوصلة الإنتاج الوطني للحد الذي تحولت رواتب موظفي الوزارات الإنتاجيَّة على واردات النفط التي تشكل نسبتها 95 % من إجمالي موازنة الدولة السنوية، وبالمقابل فإنَّ سياسة "اللفط والشفط" التي تمارسها جماعات متنفذة جعلت كراسيها أعلى من كرسي
 الدولة.
الكاظمي كان معاتباً الذين يحسبونه على المحور الأميركي، معتبراً مصلحة العراق الخيار الوطني لحكومته وهذا فوق كل الاعتبارات، وأنه متمسك بالتعامل مع كل الأطراف الدوليَّة سواء المتجاورة أو البلدان الأجنبيَّة البعيدة بما يحقق مصالح العراق، وبالحقيقة هذا يشكل صفة التوازن له في فلسفة إدارته للحكم وإخماد كل نيران الحروب الساخنة أو الباردة وعدم زج البلاد في
 أتونها.
 وكأنه يقر عملياً بمبدأ الحياد السياسي الذي يرى بأنَّ "الحرب سياسة ساخنة، والسياسة حرب باردة" وينبغي في مثل هذه المقابلة أنْ تكشف عن توجهات حكوميَّة جديدة ومنها محاربة الفساد ومتابعة سراق المال العام، ورفض منهج القوى السياسيَّة بفرض أسماء غير مؤهلة لشغل مواقع تنفيذيَّة تسهم في تعويق أداء مؤسسات الدولة. 
وايضاً ضبط أموال المنافذ الحدوديَّة التي يمكن أنْ تجعل البلاد متعافية مالياً، فإذا كانت واردات العراق من تصدير النفط لشهر أيلول نحو 3 مليارات دولار بحسب إحصائية وزارة النفط، ألا يتطلب أنْ تسهمَ المنافذ الحدوديَّة والزراعة والصناعة بتعظيم الواردات الماليَّة والتغلب على الانتكاسة الماليَّة التي تمر بها 
البلاد؟
ثم أليس الأجدر بالحكومة أنْ تسجل بصمتها بإعادة تشغيل المصانع والمنشآت الحكوميَّة والأهلية وامتصاص البطالة وتحقيق وفرة مالية لصالح الدولة العراقية؟ إنَّ مثل هذه الأمور لو تضمنتها المقابلة التلفازيَّة لكانت بشارة لكل العراقيين.. وبالطبع هذه تحتاج إعلان حرب بسلاح القضاء على كل فاسد، وعلى رأي الزعيم الروحي للهند غاندي يقول "حارب عدوك بالسلاح الذي يخشاه، لا بالسلاح الذي تخشاه
 أنت".