الإبداع والأخلاق

آراء 2020/10/13
...

  د.علي المرهج

 
ما زال لفلسفتي سقراط وإفلاطون المثالتيين بريقهما في الحكم على نتاج مثقف ومفكر، على قاعدة أسسا لها ألا وهي ربط المعرفة بالأخلاق أو الفضيلة، 
لتجد من يُحاججك كيف تقبل أن تصف فلاناً مفكراً أو مثقفاً أو شاعراً، حينما نروم وضع الشاعر خارج مجال الثقافة حينما يكون موهوباً في إبداعه الشعري، لكنه ربما سيكون من المداحين الكبار لدكتاتور أشر، وليست عندي مشكلة مع هكذا موهوبين 
منحتهم الفطرة أو الله قدره على سك الشعر بلغة إبداعية مُبهرة خارج 
تمنياتنا لما ينبغي أن يكون عليه الشاعر أو المفكر أو المثقف، وقل الفيلسوف، ولا تتردد، فقد ذكر (مدني صالح) جملة من مآثر ما ذكر من حكم (إعطني دولاراً، أعطيك فيلسوفاً) وقد ذكرتها من قبل في مقالات شتى، ولا عقدة عندي حينما أجد مثقفاً أو مفكراً يمتدح سلطاناً أو ينتمي لأيديولوجيا معينة، 
فلم تشغلني رؤية سقراط وأفلاطون في ربطهما للمعرفة بالفضيلة، لكثرة ما وجدت وعاشرت في حياتي من الفنانين المبدعين في الفن: المسرح والتشكيل والسينما، إذ نجد فيهم من يُزيف التاريخ والحقائق، وكذا الحال مع الشعراء والمفكرين، ولا أعرف لماذا لا نعترف بأن هؤلاء بشر ينزعون لتحقيق مصالح ذاتية، وهذه بحد ذاتها ليست مشكلة كبرى، ولكن المشكلة الأكبر تكمن في التحول والتلون وتغيير الولاءات، فيُديرون بوصلتهم وفق تغير موازين القوى 
والسلطة!.
لا يرتبط الإبداع بالفضيلة ولا بالأخلاق إلا من قبيل شغفنا بما ينبغي أن يكون عليه المثقف أو المفكر أو حتى العالم والفيلسوف، وإلا بماذا نُفسر ما فعله الفيلسوف (فرنسيس بيكون) وتقبله للرشى، أو ما عضد به هيدغر رؤى النازية، أو مدح به المتنبي لكافور الاخشيدي، وهناك أمثلة مشابهة لمثقفين وفنانين في زمن الدكتور بحال التأييد والنصرة له ومدح أفعاله، وبعده هو ناقد 
وناقم!.
لا أختلف مع من يذهب للقول بالتحول الفكري عند المثقف، ولكن بشرط أن يكون تحوله مرهون بوجود هذه السلطة التي نظَر لها أو كتب قصائد تترى بحق عدالتها، لا أن ويختفي حينما تسقط، ويظهر لنا فارساً مغواراً في الفكر والتنظير أو في الشعر.