إنّ من الشعر لحكمة

ثقافة 2020/10/13
...

 حسين الصدر
- 1 -
امتد الشعر العربي وتغلغل في حياة الناس ووضع بين ايديهم عصارة تجارب الشعراء ،وخلاصة نصائحهم، وزبدة ما قدموه مِنْ حِكَم، حتى اننا نقف على خارطة طريق شعرية في كيفية التعامل مع الناس : حال تولي المناصب ، والطريقة الفضلى في التعامل مع الاصدقاء، وفيهم من يخرج عن مقتضيات اللياقة أحيانا وفي هذه الأشعار – بكل ما تضمنته من حكم ونصائح ثروة ظاهرة ، يمكن الافادة منها على أكثر من صعيد ، ويكفينا الجانبان الاجتماعي والاخلاقي منها .
 
- 2 -
ومن النصوص اللافتة للنظر قول الشاعر :
اذا نلتَ الإمارة فآسْمُ فيها
الى العلياءِ والحسب الوثيقِ
فكلُّ إمارةٍ الاّ قليلاً
مغيّرةُ الصديقِ على الصديقِ
فلا تَكُ عندها حلواً فتُحسى
ولا مُرّاً فتنشب في الحلوقِ
أعاتبُ كلَّ ذي حَسَبٍ ودينٍ
ولا أرضى معاتبةً الرفيقِ
واُغمضُ للصديق عن المساوي
مخافةَ أنْ أعيشَ بلا صديقِ
(الابيات لأبي زيد الطائي كما جاء في البصائر والذخائر )
ان المقصود بالامارة : المناصب التي تسند الى هذا الشخص أو ذاك .
والمناصب: تكشف عن جوهر الشخصية، وتُظهر حقيقتها بشكل جليّ، حيث يستغلها البعض ويوظفها لخدمة مصالحه الخاصة لا لاداء الخدمة العامة النافعة، ويُصاب من جرائها بداء الشعور بالاستعلاء على الآخرين، ثم التنكر لأصحابه وأصدقائه الذين تربطهم به العلاقات الاخوية تحت تأثير الانتفاخ الحاصل بسبب تلك المناصب، وكل هذه العيوب يحذر الشاعر منها ويدعو الى ان تكون المناصب سببا للسمو الى العلياء- بكل ما تقتضيه من تفانٍ واخلاص في مضمار الخدمة العامة - وايثارها على كل أشكال المنفعة الذاتية .
ومن الطريف هنا :
ان الشاعر لا يريد صاحب المنصب ان يكون ( حلواً ) فليُحس ، ولا (مُرّاً) فيبقى طعم مرارته عالقاً في الفم.
وهذا المعنى طرقه شاعر آخر بنحو آخر فقال :
لا تكن سُكرّاً فتأكلك الناس
ولا حنظلاً تُذاق فترمى
إنَّ المطلوب هو التوازن والاعتدال والوسطية، فليس المطلوب القاء الحبل على الغارب، بحيث يطمع المُبطل بتمرير أباطيله اعتماداً على الباب المفتوح ، ولا الجفاف واليبس والشدة التي هي ذات طعم مُرّ رهيب .
ولأنّ بعض الاصدقاء لا يُطيقون حتى العتاب وحفاظاً على الصلة بهم بعيداً عن الانقطاع يتجنب الشاعر عتاب رفاقه، وحين تصدر الاساءة من الصديق يُغضي عنها، ويُعرض خشية أنْ يبقى بلا صديق، في اشارة واضحة الى ان الأصدقاء ليسوا بأنبياء، وبالتالي فهم قد يجترحون ألوانا من الاساءات البعيدة عن النهج السليم، وهذا المعنى مطروق أيضا ألم يقل بشار بن برد :
ومن ذا الذي تُرضى سجاياه كلُّها
كفى المرءَ نبلاً أنْ تُعدَّ معائبُهْ
وقال :
فعشْ واحداً أوصِلْ أخاك فانّه
مقارفُ ذنبٍ مرةً ومجانِبُهْ
نعم
إن من الجميل أنْ تُنقل الخواطر والأفكار من حيز الذهن الى الناس عبر قوافي الشعراء، وعبر كتابات الروّاد المعنيين بشؤون الاصلاح والتغيير
 والتقويم .