وهـــل يــخـفى القـمـر..؟

ثقافة 2020/10/14
...

 أ.د.سعاد محمد خضر
 
مقالة عن الدكتور عناد غزوان؟ كلمات تصطف على الورق؟ أيكفي ذلك؟ هل تكفي كلمات مهما كانت صادقة أن تملأ فراغ تلك السنوات التي تفصلنا عن أخ وزميل عزيز، سنوات مليئة بالعطاء والمعاناة والعمل الدؤوب والرغبة الصادقة لتقديم خبراتنا لطلابنا الذين كنا نحمل لهم دائماً الاحترام.
لقد قدم الدكتور عناد الكثير وقدمنا جميعاً بدورنا الأكثر لعراق ما زال يئن ويرنو لغد أكثر إشراقاً... وسنظل نعطي طالما نمشي على قدمين. هناك أسماء تترقرق دموعنا لدى سماعها ومنهم الدكتور عناد. وكم نتمنى لو كان هنا ما زال بيننا... لقد تنوعت نشاطاته من تدريس إلى نقد إلى ترجمة إلى إدارة.. وفي كل من تلك الميادين تقدم وأبدع، وترك وراءه تراثاً وذكرى ستبقى عطرةً لأجيال مقبلة. بل انه كان من ألمع نقاد جيلنا في العراق الحديث مختطاً لنفسه طريقاً خاصاً في ذلك الميدان. فمن هو الدكتور عناد غزوان؟ انه الناقد والباحث والأديب والكاتب، ابن الديوانية الذي ولد في 1934، ومن شبابه الغض ولما يبلغ التاسعة عشرة، فرض اسماً لامعاً في صحف العراق مبشراً آنذاك بكاتب سيكون له شأن. وقد كان.
وغادر إلى انكلترا ليكمل دراساته العليا في الأدب العربي وعاد في ستينيات القرن الماضي حاملاً الدكتوراه في الأدب. عاد في العام 1963، عام الحرائق في العراق عام النكبات والآلام والتي امتدت منذ ذلك الوقت وحتى اليوم ولم يجف للعراق دم ولم تجف لأم دمعة. وفي خضم تلك الأيام القاسية تسنم العديد من المناصب، فكان معاوناً لعميد كلية التربية، وعميدا لكلية أصول الدين، ثم رئيساً لقسم اللغة العربية بكلية الآداب، وترأس الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق. وأصبح رئيساً لجمعية المترجمين العراقيين للفترة من 1989 وحتى 1998، وهي فترة غزيرة بالعطاء، وما زلت اذكر اجتماعاتنا في جمعية المترجمين العراقيين.. واجتماعاتنا الدورية كانت تتطرق للعديد من مشاكل الثقافة والترجمة، في أصعب الأوقات التي عاشها العراق آنذاك. وكان يطل علينا بهيبته وحزمه وجديته في اجتماعات الهيئة الإدارية للجمعية حيث كنا كلنا أعضاء فيها، ورغم تعدد الاتجاهات كانت الاجتماعات تدور في هدوء إذ يجمعنا سعينا الدؤوب لكي نسجل للعراق سيادة في ذلك
 الميدان.
ومن ثم ننطلق إلى الدول العربية لعقد أواصر علاقات مع المترجمين في البلاد العربية. وقد قمنا بذلك وتوزعنا أعضاء الهيئة الإدارية في الدول العربية لتحقيق إنشاء اتحاد للمترجمين العرب، ونجحنا في خطواتنا الأولى لكن المشروع تحطم بسبب الظروف التي عاشها العراق والعدوان المتكرر على بلادنا. وما زلنا نستذكر اجتماعاتنا وجلساتنا وأحاديثنا ومشاريعنا الموؤدة، ونتذكر زميلنا الرائع الدكتور عناد ومساهماته الثرة في ميدان الترجمة... فهو ما زال بيننا نتذكره في كل وقت، وأعماله العديدة تظل في ذاكرة الأبناء والزملاء... فقد اصدر العديد من الترجمات والمؤلفات وظل يمارس نشاطه الثقافي حتى خطفته المنية عام 2004، تاركاً وراءه تراثاً غزيراً ثراً عله ينفع أجيالنا المقبلة.
هذا هو الدكتور عناد غزوان الذي غادرنا ولما يزل بيننا، طالما هناك قلة من الأبناء أو الأصدقاء الذين يبذلون المستحيل ليعيدوا النور لأسماء كادت تذوي، أو ليزيلوا الغبار عن لوحة أو ليعيدوا نشر قصيدة شعر لشعراء وكتاب وأدباء وفنانين ابتعدوا عنا بهدوء وسلام.