محمد عبدالجبار الشبوط
حين نتحدث عن # الدولة - الحضارية - الحديثة من الضروري ان نستحضر الفرق بين الدولة والحكومة والسلطة.
فالدولة هي الحاضنة الكلية للارض والناس والجهاز الحاكم والقيم العليا.
اما الحكومة فهي الجهاز التنفيذي في الدولة الذي يحتكر السلاح والتشريع والعقاب.
واما السلطة فهي القدرة على فرض ارادة المتسلط على الاخرين، القدرة على الاكراه.
في اطروحتنا، نحن نتحدث عن "الدولة" بعناصرها الاربعة اعلاه، ولا نتحدث عن الحكومة فقط. وقيمة الدولة وصفتها تنبثق من الشعب ومنظومة القيم التي يؤمن بها ويجسدها في سلوكه وتصرفاته وعلاقاته الفردية والجمعية. ومنظومة القيم تتعلق بعناصر #المركب-الحضاري الخمسة، وهي: الانسان والارض والزمن والعلم والعمل.
الدولة الحضارية الحديثة بناء هندسي محكم. وتقوم د ح ح من الناحية البنيوية على خمسة اسس او ركائز او اعمدة هي: المواطنة، والديمقراطية، والقانون، والمؤسسات، والعلم الحديث.
تشكل المواطنة الأساس الأهم في بناء الدولة، وهي حق قانوني موروث او مكتسب. وهي علاقة مباشرة بين الدولة والفرد. فالفرد في د ح ح لا يحتاج الى وسيط يربطه بالدولة كالعشيرة والحزب والدين وما شابه، تستطيع الدولة ان تخاطب او تعاقب او تثيب المواطن مباشرة، ويستطيع المواطن ان يخاطب الدولة مباشرة ايضا، بلا وسيط او جسر عبور.
ويتمتع المواطنون بالحرية والمساواة في د ح ح. فالحرية تعني التمتع بحق التصرف في اطار القانون، والمساواة تعني عدم التمييز على اساس الدين او الطائفة او العرق او الانتماء السياسي.
وتمثل الديمقراطية الاساس الثاني في بناء د ح ح. وهي تعني حق المواطن في تقرير مصيره والمشاركة العامة ضمن القانون، وبامان
وحرية.
كما انها تمثل الطريقة السلمية في تداول السلطة دوريا بموجب الاليات الديمقراطية التي تضمن الحيادية والحرية الفعلية وليس فقط الشكلية في الاختيار. وتأتي الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافة والعادلة في مقدمة هذه الاليات. ونظام الانتخاب بالقائمة لا يضمن القدر الكافي من الشفافية والقدرة على الاختيار. لهذا السبب نفضل #الانتخاب-الفردي. والانتخاب شرط في التولي.
فالأصل ان لا ولاية لأحد على أحد الا بسبب. والسبب في د ح ح هو الاختيار والانتخاب الشعبي الدوري. ويتأكد هذا في السلطتين التشريعية والتنفيذية. النظام الحالي القائم في العراق ليس ديمقراطيا، انما هو نظام هجين.
وهذا من اسباب الدعوة الى د ح ح ومن اهدافها، وهو اقامة ديمقراطية سليمة.
ويمثل القانون الاساس الثالث في بناء الدولة الحضارية الحديثة. ولا يمكن تصور وجود دولة حضارية حديثة بدون قانون. والمجتمعات تبدأ، وتعزز، مسيرتها الحضارية بتعزيز وتطبيق القانون، والعراق من اوائل المجتمعات التي عرفت القانون قبل آلاف السنين من خلال مسلة حمورابي وما سبقها، لكن العهود المظلمة التي مرت به جعلت قيمة القانون وسلطته المعنوية والتنفيذية تتراجع لتحل محلها سنن العشائر او الفوضى او الاحكام الاعتباطية والتعسفية للحكام. ويجب ان يلبي القانون حاجات المجتمع وينسجم مع مستواه وطبيعته الحضارية. وتمثل المؤسسات الاساس الرابع في بناء الدولة الحضارية الحديثة. والمؤسسات هي الوعاء الذي تتراكم فيه خبرات المجتمع التشريعية والادارية، والمراكمة من شروط التقدم في المجتمعات الانسانية. والمجتمع الذي يفقد خاصية المراكمة لا يمكن ان يتقدم، والمجتمع الذي تعوزه المؤسسات القوية والمستقرة والفاعلة يفقد خاصية المراكمة، ويعجز عن تحقيق التقدم والتطور. والمؤسسات تتنوع بتنوع اختصاصاتها، فهناك المؤسسات التشريعية والتنفيذية والحزبية والاقتصادية والدينية والتعليمية وغير ذلك، يعاني المجتمع العراقي منذ عام ١٢٥٨ من انقطاعات متواصلة في الجانب المؤسساتي.
لذا وجدناه يراوح في مسيرته التاريخية، ولا يملك القدرة على مراكمة الخبرات السياسية والاقتصادية والادارية والعلمية الخ. والسعي الى اقامة د ح ح في العراق لابد ان يتضمن بناء مؤسسات رصينة في الدولة والمجتمع.
ويبقى العلم الحديث بوصفه الاساس الخامس من أسس بناء الدولة الحضارية الحديثة. العلم هو الباب الى الحضارة والعلم الحديث هو شرط الحداثة، ولا تكون الدولة حضارية وحديثة بدون العلم الحديث. والعلم نقيض الجهل والخرافة والسحر والاساطير. العلم هو معرفة بالواقع وطريقة للتعامل مع الواقع. والعلاقة بين الانسان والطبيعة تقوم على اساس العلم. كما ان بناء الدول علم.والادارة علم. والعلم من مستلزمات استخلاف الانسان في الارض. والدولة الحضارية الحديثة تقوم على العلم في خططها وادارتها وتصرفاتها. والعلم هو من مستلزمات تحسين حياة الناس وتبسيط الاجراءات وتحقيق السعادة والرخاء والرفاهية. كل ما تقدم يحتاج الى ثقافة، الوهن والضعف في هذه الاسس والركائز سببه ثقافي في المقام الاول. لذا فان اقامة د ح ح تتطلب اشاعة ثقافة المواطنة والديمقراطية والمؤسساتية والقانون والعلم الحديث
في المجتمع.
العمل على اقامة د ح ح لا يتم بالتسلط على الشعوب بالغلبة على الناس، انما يتم بتغيير المحتوى الداخلي لهذه الشعوب بالثقافة الحضارية.