التسامح وقبول الآخر

آراء 2020/10/16
...

 أماني النداوي
تقوم الحياة على تعدد المجتمعات البشرية وتنوع اللغات واختلاف العادات والتقاليد والديانات والمذاهب، وهذه الاختلافات تشكل جذور الصراعات والحروب المستمرة، وفي ظل تزايد الوعي العام والتقارب الاتصالي وثورة المعلومات، بدأت جدران التعصب والانغلاق تتصدع، وهناك اتجاه عالمي متزايد نحو ثقافة التسامح وتقبل الآخرين، سواء على صعيد الأسرة أو المجتمع أو الدول، وضمن هذا التوجه خصصت الأمم المتحدة يوماً دولياً للتسامح بين البشر، وسعت إلى تدعيم التسامح من خلال تعزيز التفاهم المتبادل بين الثقافات والشعوب، والدعوة إلى تطبيق مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وبنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وقبلها الكتب السماوية التي تدعو إلى الرحمة والصبر والتقارب بين الناس، تلك المبادئ المضيئة التي أصبحت نبراساً للخيرين في التصدي للعنف والتطرف والصراعات التي تتميز بتجاهل أساسي للحياة البشرية.
في العام 1996 دعت الجمعية العامة الدول الأعضاء إلى الاحتفال باليوم الدولي للتسامح في 16 تشرين الثاني، من خلال القيام بأنشطة ملائمة توجه نحو المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية، وجاء هذا الإجراء في أعقاب إعلان الجمعية العامة أن يكون عام 1995 سنة الأمم المتحدة للتسامح، حيث اعتمدت الدول الأعضاء إعلان المبادئ المتعلقة بالتسامح و خطة عمل متابعة سنة الأمم المتحدة للتسامح، كما خصصت اليونسكو جائزة للتسامح واللاعنف، تمنح كل سنتين، وقد استلهم إنشاء الجائزة من المثل العليا الواردة في الميثاق التأسيسي لليونسكو، الذي ينص على أن "من المحتم أن يقوم السلام على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر". ما أحوجنا في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والوبائية القاسية، التي نعيشها اليوم، إلى استذكار معاني التسامح ومراعاتها في حياتنا وتطبيقها بين أهلنا وأسرنا ومجتمعاتنا، وذلك لنشر الوئام وتخفيف المعاناة وزرع الخير عبر الكلمة الطيبة التي تنمو وتثمر مثل شجرة مباركة، كما وصفها الباري عز وجل، تلك الكلمة التي تطيّب خواطر الآخرين وتراعي مشاعرهم وتحترم خصوصياتهم، فالتسامح والصبر من فضائل النفوس الكبيرة. 
 إن أول ميادين التسامح هو العلاقة الزوجية، والابناء ثم تتسع دائرة التسامح لتشمل المجتمع كله، مثل العلاقة بين الجيران، والعلاقة بين المدير وموظفيه، وبين الأستاذ وطلبته، وإذا كان الله تعالى قد وصف ذاته المقدسة بالرحمن الرحيم، فكيف يتسنى لبشر أن يتسلط ويتكبر ويظلم ويقسو، وقد نسي ضعفه وزوال قوته في كل لحظة؟