د. قيس العزاوي
لم تعد نظرية قلب العالم للستراتيجي البريطاني هالفورد جون ماكندر مجدية في استدراك الخشية من الطموحات الروسية، كما لم تعد ميزة ماكندر عن اقرانه الستراتيجيين بتحليله الجيوستراتيجي للعالم وتحذيره لبلاده بضرورة التصدي للتوسع الروسي باتجاه الخليج العربي، لم يعد الامر على تلك الاهمية بعد أن وصلت موسكو بغفلة منافسيها وبراعة سياسييها الى الموانئ العربية الخليجية والمتوسطية وحققت حلم قياصرة روسيا.
كان القياصرة الروس يسعون للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط الدافئة، حيث طريق الهند، وسواحل شمال افريقيا، لذلك قاموا في القرنين الثامن والتاسع عشر بالسيطرة على الشواطئ الشمالية والشرقية للبحر الأسود سعياً الى القسطنطينية، ثم بحر مرمرة، ومضايق البسفور
والدردنيل. كتب هـ.آي. ساتن (المعهد البحري الأميركي) أنّ موسكو تستغل الثغرات الموجودة في «اتفاقية مونترو» لعام 1936 «التي تنظم المرور البحري عبر المضائق التركية من أجل إقامة وجود دائم لها في البحر المتوسط»، ما يؤثر مباشرةً في تركيا وحلف «الناتو. وترى آنا بورشفسكايا الباحثة في معهد واشنطن ان وجود القوات الروسية في سوريا هو ثاني غزو روسي رئيس في بلاد المشرق منذ عام
1772.
لقد سبق ان حذر وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر من الوجود الروسي المتزايد في سوريا؛ ومن تعاون موسكو مع تركيا ومصر والسعودية واصفا إياه بـ «التوسع
الروسي».
ما الذي يجعل اميركا تقلق من علاقات روسيا مع دول المنطقة بهذا الحجم، حتى تعدها عمليات توسع وتحذر منها؟ والجواب هو:
- اعلان الرئيس الروسي فلادمير بوتين في يوم البحرية الروسية(26 تموز 2015)، العقيدة البحرية الروسية حتى عام 2020. وحدّد هدف توسيع القدرات البحرية الروسية من المنطقة «الإقليمية» إلى «المياه الزرقاء العالمية». وفي كانون الأول 2017، وقّع بوتين قانونا لتوسيع القاعدتين الروسيتين طرطوس وحميميم في سوريا تأكيداً لوجود دائم، وبهدف تحقيق التفوق البحري في البحر الأسود وشرق البحر الأبيض المتوسط، كما نشرت موسكو أسلحة متطورة للدفاع الجوي قصير المدى «بانتسير» ونظام دفاع جوي «ألماز آنتي S-400” المجهز بصواريخ أرض- جو في قاعدة حميميم الجوية، ثم في مدينة مصياف الشمالية الغربية، إلى جانب نظام “كراسوخا” الأرضي للحرب
الإلكترونية.
- قامت روسيا والصين وإيران ما بين 27 و30 كانون الاول 2019 بتدريبات عسكرية بحرية مشتركة في خليج عُمان، على اثر انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني. وتهدف التدريبات العسكرية إلى ترسيخ التعاون بين الأسلحة البحرية للدول الثلاث.
- أعلنت روسيا عن نشر قواتها على الحدود السورية – التركية. وبدت هذه الخطوة العسكرية عملاً غير مسبوق لبوتين شخصيا، وتواصل القوات الروسية والتركية القيام بدوريات مشتركة على الطريق الستراتيجي السريع “أم4” في
سوريا.
- تبادل الزيارات مابين قادة السعودية والامارات وقادة روسيا كان اخرها الاستقبال الحافل لبوتين في السعودية والامارات في 14 – 15 تشرين الأول 2019 ، اذ عرض بوتين على السعودية التوسط بين الرياض وطهران، كما عرضت مبادرات لتسوية أمنية في
الخليج.
- الحدث الاكبر كان في استضافة موسكو القمة الافريقية- الروسية (نهاية تشرين الأول 2019)التي حضرتها 54 دولة (43 من حضورها على مستوى الزعماء)، بحضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اذ وصف وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو مصر بأنها أهم شريك لروسيا في شمال
أفريقيا.
- تبحث روسيا عن الموارد الطبيعية، وخاصة في ليبيا والجزائر ومصر والمغرب ولدى موسكو علاقات وطيدة بدول الخليج، كما انها تقوم ببناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا، وتدعم روسيا المشروع النووي الايراني، وعرضت موسكو التوسط بين قبرص وتركيا لانهاء النزاع حول حقوق الغاز في شرق المتوسط .
تلك هي باختصار مساعي التوسع الروسي في منطقتنا، تحقق الحلم الروسي بالمياه الدافئة والذي يوازيه في الاهمية هو التوسع الصيني الناعم ببناء 42 ميناء بحريا ، أ لم نشر في مقالاتنا السابقة الى كون الصين وروسيا تتحديان الاحتكار الاميركي للشرق
الاوسط!