رزاق عداي
المتابعون للخطوات السريعة لتفكك الاتحاد السوفيتي السابق، يجمعون على ان الاصلاح الذي سبق تفككه بدأ من قمة هرم السلطة السياسية، متمثلاَ بمشروع طرحه الرئيس الاخير للاتحاد السوفيتي ((غورباتشوف))، اعترضت عليه مستويات ادنى من المنظومة السوفيتية، باعتبار ان الشروع في الاصلاح سيضعف قوة السيطرة على الجمهوريات الاخرى،
مما يؤدي هذا الى اتخاذ اجراءات اخرى غير محسوبة، فيذهب بالبلاد الى تفكك المنظومة السياسية برمتها، وهذا ما حصل لاحقا، لان الانزلاق في الاصلاح خرج عن طوره وبات سريعا، ودخلت اغلب الجمهوريات في فوضى، وانفصلت اخرى، ولم يعد هناك ما كان يسمى الاتحاد
السوفيتي.
الفكرة الثانية التي كانت عند المعسكر المناصر للاصلاح التي تقول بأن لامناص منه للظروف التي كان تعيشها البلاد، فبدونه ستتعرض الدولة السوفيتية الى الفشل، وتغدو في حال غير قادرة فيه على الايفاء بالتزاماتها الدولية بوصفها دولة محورية في عالم ذي قطبين، ناهيك عن انها ستفقد المبادرة لاحقا على السيطرة على الازمات الاقتصادية في الداخل وما يترتب عليه من تداعيات سياسية لاحقة.
الاصلاح في الصين اختلف عن نظيره السوفيتي، وان كان متزامنا معه تقريبا، فقبضة (دنغ هسياو بنغ) على زمام السلطة ومبادرة الاصلاح بعد وفاة (ماو تسي تونغ) في عام 1976 كانت حازمة، وتمكن من الحفاظ على وحدة البلاد، ولكن الاهم في تجربة الأنموذج الصيني للاصلاح، ان الاجراءات الاقتصادية متمثلة في فسح مجال مناسب ومسيطر عليه للقطاع الخاص، وتفعيل محدود لاقتصاد السوق، وفتح كبير للتبادل التجاري مع العالم، مع خطة واسعة النطاق استثمارية تشغلية مزدوجة لكل قطاعات الاقتصاد وتشغيلها في آن واحد، استطاعت هذه الاجراءات مجتمعة، ان تحقق اكبر نمو اقتصاد في العالم ولسنوات متعاقبة، اثر كثيرا على رفع مستويات الدخل القومي والفردي معا.
التجربتان كانتا لدولتين اشتراكيتين، اخفق الاصلاح في الاولى فتفككت الدولة، والثانية نجحت، ليس لانها حققت رفاهاَ اجتماعيا منقطع النظير فحسب، انما الدولة الصينية قطعت اشواطا كبيرة على صعيد الاقتصاد العالمي، وباتت تطارد القوة الاولى في الاقتصاد العالمي.
ورقة الاصلاح المالي المطروحة على طاولة النقاش اليوم في العراق، لكي يكتب لها النجاح عليها ألا تسلك مناهج صندوق النقد الدولي، وتعمل بموجب وصاياه في تخفيض رواتب واجور الطبقات الفقيرة، وترفع كل الدعم الاجتماعي، فهذا من شأنه ان يرفع من كلفة التضحيات، وسترتب عليه نتائج سياسية غير محسوبة وبعيدة
المدى.