زهير بهنام بردى
فراغٌ باردٌ
أستلقي جنبك وأتبادلُ الفوضى مع نهرٍ لا يعجبه كلام ظلام، وبأصبعٍ أعرج أحرّكُ قفصَ الكتابةِ وأنا في نفسي أن أموتَ من الجنّ ببسالةٍ بيضاء، أشياءٌ في يوميّاتِ فوضى تهمسُ في شهيقِ خياناتٍ ليست على ما يرام في الفراغِ البارد، يبلعُ كهولةَ الضوءِ مع الاسف. وبصدفةٍ ومرارةٍ تصلني بلا تعليقٍ من بابٍ يستلقي بفطنةٍ مطمئنّا، يطلقني لأسمعَ حوارَ سواي بحصافةِ فرّيس يعرفُ ماؤه في الصيفِ. ويصغي الى بصيرٍ يتقلّبُ تحت الضوءِ، ويقلّدُ إغواءَ وردٍ يسترجعُ نضارةَ بصره اللامرئي وقد استحقّ الألم، حينَ اغتسلَ سرّاً بجسدٍ أرضي ومالَ على وجههِ ضجراً من قرابينَ. لم يذقها ببراءةِ طفلٍ يبلغُ سنّ القطفِ والعطّاب في جرارِ نبيذٍ ورماد تنّور، في فكرةِ خبزٍ ساخنٍ في غلافِ مجلّةٍ لبائعِ سندويش ذكي استعانَ بماءِ البحرِ عسلاً في طينِ حلوة بغداد، وغالباً ما يحدثُ هذا بين حكمةِ العزلةِ كأنّها حواراتٌ تمشي وبين تقدّمِ الضوءِ بكاملِ عدّته وسع
موسيقى تركضُ حافيةً من قصبِ الهور الى طينٍ. يحدّثنا عن البدءِ والكلمةِ والفصح والغنجِ والملحِ والنفائسِ
كلّها تدسُّ الشمعةَ الوشيكة على
الكلامِ في صفحةٍ بيضاءَ من مطرِ الثلج.
ليلةٌ باردةٌ بلا ملائكة
أمامَ قلعةٍ كنتُ أفرطُ بصري وأغبطُهُ من خطى كلّما أوغلتُ في كهوفِها الظلام، أجمعُ الهواء كخرزٍ وأفكرُ في يدٍ حاشدةٍ تنصتُ لغيبٍ في صوتِ حارسِ بوّابة آذار أو في أنقاضي إيايَ هناك في سومر، وأنا اتسلّقُ زقّورةِ الحبّ خيطاً خيطاً وحاجباً وكنتُ وقبلَ أن أخلّد العشبَ. وفيما أنا أصغي كإلهٍ الى قلعةٍ كأنّها حين أمسكُ بحبالِ الضوءٍ.
وأنا أتسلّقُ متدحرجاً خرزاتها الزرق فأراني أجلسُ قليلاً وآخذُ معي كتاباً أو قيثارةً وحينما أتزحلقُ لا أوقظُ آلهتكِ، كي لا يعلموا أنَي كل يوم أحلفُ ألا أخونَ الغزلانَ والنقوشَ في حلق لماسو المقطّب الفخذين. يحرثُ في وسادةِ حقلِ أمس كسليلِ كينونةٍ يمزجُ في الليلِ الكلماتِ في عزاءِ اوروك.
وبمجرّد فاصلٍ عن صحّة صدور حلمٍ في غفوةِ أيقونة، تلتقطُ فصحَ الموسيقى من زيتِ جنديّ، يجمعُ نبضاتهِ في أشياء نادرةٍ ربّما لا تنقرضُ رغمَ أنّ النعشَ بارد.
وهو يمشي الى أناشيد حاضرٍ نادرا ما يجيءُ في عزفٍ منفردٍ بسخونةِ تابوتٍ في نصفِ ليلةٍ باردةٍ بلا ملائكةٍ، تحتلّ على مضضٍ ظلّا ينبشُ منذ ليلةِ ميلادٍ أعجوبةَ مسلّة الجسد العاشق. يطلقُ العباراتِ الطازجة التي لا تكفي فمَ الأرضِ قبل فواتِ إطلاق سراحِ الأصابعِ في ابتسامةِ ضوء.
مزاجُ الورد
وفي غبطةِ حضرتك أيّتها المرأة الحكمة أسالُ وأنا اتنكّبُ قامتك. لماذا في المطرِ تمضينَ في غيبوبةِ حبّ؟ وأنا أجلسُ أمامك كصوفيّ ولا شيءَ لي غيرك ولا غيرك. يصلُ جسدي بي وصلا ومغروراً بك في كلّ اتجاهٍ أذهبُ، وأبسطُ الرؤيا أهمدُ في ضوئك أصابعُ يدي. تصيدُ مزاجَ الوردِ وتلقي على أعشاب فطرتي غيمَ الليلِ لأثملَ ببراءةِ الماء وأقفَ من داخلي الحلو متعرّقاً مثل يدٍ تستغرقُ سريرَ موسيقى مختالةٍ ولها الطينُ يسعى لشربِ الكلام من ثقبٍ طريّ في ترابٍ متشقّق.
ينسجُ جسدَ الليلِ على شاكلةِ بلّورٍ لا يسقطُ مكسوراً ليسترَ عريَ الأرض وتحت كلّ طيّةٍ منها غيمٌ يحرسُ النهارَ من أسمالِ ظلّ يتدلّى من قميصِ ثلج، ومنهكاً ولايّامٍ ما يزالُ يسمعُ الكلام نفسَهُ يُطاطئُ البرد فم رضيعك كأنّه قبرٌ على كتفِ الضوء، يهذي ويغمض بصرَ عميانٍ ما يزال ماءُ الفصحِ ينضحُ في أصابعهم خبزاً لا يفارقُ يدَ حوّاء. وهي ترفعُ بالزبدِ ثقوبَ الوردِ بلوعةِ عسلٍ.
ينهضُ من ثقوبِ نهدٍ يسكبُ حمّى إنانا في فناءِ بئرٍ، يضجُّ بضوضاءٍ تعيطُ من تدحرجِ يدٍ تكفي
لتلقينِ التجاعيدِ مدوّناتِ روحٍ، تستعدُّ أن تثقَ بإغواءٍ ينشرُ موسيقاهُ بدهشةِ قدّيسٍ أعمى. يمشي بكرسيّه الفارغ تحت خيطِ غيمةٍ فارغةٍ من الماءِ. ترشفُ وجهَ ترنيمةٍ تفتحُ فمَها بمزاجٍ بشوش.