الطوفان الثاني لفاتح عبدالسلام: ثنائيات متضادة

ثقافة 2020/10/18
...

   عدنان أبوزيد
 
 
عنوانها (الطوفان الثاني).. عنوان رواية جديدة للروائي العراقي فاتح عبدالسلام تدور في مساحات استكشاف فعل الحرب بالعراق من خلال علائق تنسجها مع تجارب المغتربين والمهاجرين الذين خاضوا غمار بحار عدة ورست سفنهم في مدن تضيء بالذكريات، ومدن أخرى تشبه قوارب النجاة لكنها لا تصل الى شواطئ الأمان أبداً.
 تلك الحياة التي يتتبعها الروائي عبر شخصيتين رئيستين وشخصيات مهمة أخرى اكتمل بها المعمار الروائي المعتمد على تداخل قصتين تصبّان في مجرى روحي وعرفاني عنيف، 
وذلك في تصوير عميق ولغة فاضت بشعرية مستنبطة من واقع خشن وقاس غالباً، ذلك الواقع المنعكس من الحرب في العراق. 
تتوافر الرواية على غنى معرفي يعبر عن حياة مكتنزة وتفاعلية، يتجلى فيها السارد عبر استبصار بين الروح والعقل.
الرواية تمنح المتلقي متعة اعادة اكتشاف اليومي لاسيما الجزء غير المرئي منه أو انها تعطي المرئيات أبعاداً نفسية وروحية جديدة. 
لا يمكن للمتلقي ان يتوقع مسبقاً، حدثاً في أي فصل من فصول الرواية العشرين، وتلك ميزة في المعمار الروائي، تعني الكثير في سلم تطور الفن. 
هذه الرواية لا يمكن تلخيص أحداثها، لأنّها تتوافر على لا نهائية ذاتية قارّة في بنائها، كما تكتنز بكمّ معرفي يلامس الروح ويذوب فيها. 
ثمّة متعة تمنحها الرواية لقارئها، متعة ذات طبقية متعددة، عبر ثنائيات الحياة والموت والحب والحرب والأمل والنهايات. 
حقاً الرواية مفاجأة في السرد العربي من حيث تلك الخصائص التي راعت البناء المتناسق بين الحوار والسرد في عشرين فصلاً.  في هذه الرواية التي صدرت مؤخراً عن الدار العربية للعلوم في بيروت، ووقعت في ٣٦٧ صفحة، حكايات عنيدة لحالمين يشتّقون من تاريخ أوجاعهم مَسرّات بطعم الطفولة، وهم يروون لحظاتِ ما قبل النهايات. نسمع نحيب أحلامهم كَشَهقات المستغيث من طوفان عظيم يغمر الأمكنة والأزمنة، لتولد لهم مواقيتُ جديدة للحُلم والحُبّ 
والأمل تتحدّى حصار الخيبات والنكسات. في «الطُوفَان الثّاني» يواصل الروائي العراقي فاتح عبد السلام، الماكِثُ الأبديّ في كَنف الحروب، كما يصفُه أكثر من ناقد، مشروعَهُ السرديَّ منذ روايتَيه «عندما يسخن ظهرُ الحوت- 1993» و «اكتشاف زقّورة- 2000» في البحث عن ذلك المعادِل المستحيل لانهيارات الحروب. 
 بؤرة روائيّة تنبض تحتَ أنساق من رماد ماكِر، يُغطّي ذاتَ الأرض التي نَحتَ فيها الطُوفَانُ الأوّلُ أصوات الملاحم والأساطير وأنفَاسَ المُدن المُضيئة. 
هنا «الطُوفَان الثّاني» خط شروع متكسّر لحياة حالمة، لا يقهرها تنّين النار، حياة تأبى إلاّ أنْ ترسم ملامحَ الوجهِ الحَتميّ الآخر من الحرب، أية حرب.