تراجيديَّة البحث عن الخلاص

ثقافة 2020/10/18
...

ناجح المعموري 
لم أقرأ منذ زمن طويل نصاً شعرياً لشاعر انشغلت به منذ صدور ديوانه سهول في قفص، لكني لم اكتب عنه آنذاك قرأت نصه (نعاس في حضن انثى)، وهو مثير للإشكال لأن العنوان عتبة النص، وانا اعتقد استهلاله، وسريعاً ابرق لنا بأنه ــ النص ــ مكتوب عن ثنائية العلاقة بين الرجل والانثى، لكن علاقة ساكنة ـ وليست متحركة، فالرجل متعب جداً ويحتاج غفوة ولو قصيرة، وهو واثق بأن ذلك ممكن بعد ان وجد حضناً لأنثى. 
هل يريد الرجل الاستراحة فعلاً؟ بعد ان زاول اتصالاً جنسياً مع الانثى، ام هو محبط ولم يستطع على ذلك وبسبب قوة الفشل ومخاوف الهروب والاحتمالات الكثيرة، هي التي جعلته مهزوماً، لم يفكر الا بحضن الانثى المتكتم عليه من قبلها. ومثل هذا يومئ لنا بإشكال اخر، هل عرف الرجل حضن الانثى من قبل؟ ام قادته لحظة الحلم للهروب والخلاص من كل ما في الحياة؟ هذه اسئلة متكررة ومتنوعة يفضي بها العنوان/ الاستهلال. لأني اعتقد وهذا ما تعرفت عليه وانا أتذكر قراءتين لديوان وسام هاشم، الاول «سهول في قفص» وتأكد لي الان بأن عنوانات وسام هاشم، ليست دعابة مجازية، بل هي سردية عميقة، تنفتح عن تنوع دلالي، لان العنوان لم يكن لغة فقط، بل هو صورة، وارجو الانتباه لما قلت، لان ذلك يقود القراءة، ويلوي عنق الاحتمالات ويعني تحقق التنوع والاختلاف. وظلت ذاكرة القراءة محكومة كلياً للصورة، لأنها تريد منا ان نتعلم اللعب بالصورة واختراق الثابت فيها وقيادتها الى فضاءات متنوعة وعديدة. وما يساعدنا على كشف ما نريد هو التوسّل ولو قليلاً بالسيمياء، لان علاقتها بهية وجديدة دائماً، ومتوترة باستمرار، لكنها مرنة، لينة، لأنها تعطينا ما يساعدنا على التعرف العميق واكتشاف المعتم. ولا وجود غير السيمياء لتحقيق حلم الحفريات.
فالعنوان (نعاس في حضن أنثى) يقود القراءة والتلقي للتقرب اكثر نحو فضاء ولو بحجم القفص نحو التأويل والفحص الاحتمالي. وما زلت أنا ضمن حدود ملاحظتي، لأن الصورة اكثر خطورة من الكلام الذي قاله وسام هاشم وقادنا بقوة شعريته لتصور النعاس واعادة رسم حضن الانثى. وأكرر ملاحظتي مؤكداً على اشكالية هذه الصورة، السردية التي تبدو عادية جداً، وبسيطة تماماً، لكنها تستفز المتلقي للتسلل للحلم الذي لم يقل عنه الشاعر غير الاحتمال، وهو احتمال غير مقبول، بل مرتبك وقلق. ولأن النص، كشف لاحقاً عن الهوية الشرقية للاثنين، فأنا: آثر ميلاً الى أنهما تعارفا، مثلما حصل لأول مرة في تاريخ الحضارات الشرقية والكتب المقدسة. ومثل هذه اللحظة هي مقدسة، ذهبت لابتكار سردية مغايرة، ومختلفة، ولم يبدأ السرد، فالعنونة لا تكفي للتعرف على الكلام/ المحكي، وأعتقد بأن الصورة (نعاس في حضن أنثى) لحظة زمنية كشفت عنها صورة، ذات فضاء ضيق وعميق كالبئر، لكنها تتمتع ببعد دلالي لا يتعطل أبداً. وهنا بعد تمركز الصورة في الذهن، أجد بأن احتمالية هيمنة البصري/ المرئي/ العيني/ هو الأكثر حضوراً من الكلام/ أو اللغة. لأني أعتقد بأن الشعر كلام، مثلما هو لسان وهذا ما قاله هايدجر وهو يكتب عن شعرية تراكل. وباستفادة شفافة جداً، وبسيطة من هايدجر أقول. لا شيء في الكون بإمكانه أن يكون بديلاً عن الكلام، حتى التخيلات، او المصورات، المماثلة لكنه لا يكفي للتعبير عن الذي يقوله اللسان عن صورة ما، في مكان ما. والفرق بين الاثنين الكلام، اللسان/ الزمان والمكان والمتمثل ماضي- مكان وحيوية يحوزها الشعر. والغنائية/ الرومانسية المعروفة بالشعر. وارجو ألا يفهم من كلامي هذا ان وسام هاشم شاعر رومانسي/ أو غنائي. لكن الذي اذهب اليه هو السمة السردية المهيمنة في هذا النص، المحكيات، حتى تمظهر النص الممتاز حكاية ذات شفافية عالية وغنائية تضع المتلقي امام زئبقية، بمعنى وجود ارتجاجات في النص، متكرر الانفتاح على احتمالات وتوقعات.
أستطيع أن أتوصل الى احتمال قراءة جديد، غير اللذين أشرت لهما قبلاً. وهذا الاحتمال هو نفساني والرجل مذعور، خائف، لا يقوى على متابعة الفضاء الواسع، أو معاينة ركن ولو صغير من المكان، وواضح بأنهما -الرجل والانثى - محاصران، ولأن ذلك هو السائد/ والحاضر، فالرجل غير قادر على أن يرى، لذا أفضى رأسه في حضن الانثى، الفاقد لقضيبيته، لكنه حاز على عديد من الحواس، الكامنة بالرأس الذي ينطوي على دلالة جنسية. هذه القراءة الثالثة قادت أو ستقود الى معنى آخر غائب. ليس هو المعنى الثالث غير المعروف، أو الذي لم يتمكن المتلقي من الوصول اليه، إنه المعنى الرابع. سيكون اللسان في كل هذا التنويع في الرؤية والتمثيل هو المنفذ الرئيس نحو ممكنات هذه الدلالة، الوجود وتنوعها. انها لا تستقيم الا من خلال اللفظي، أي من خلال لسان طبيعي قادر على تسمية الاشياء وتأمل ذاته وتأويل الانساق الرمزية الاخرى في الوقت ذاته/ سعيد بنكراد/ تجليات الصورة/ دار المركز الثقافي للكتاب/ الدار البيضاء/ 2009/ص76 
هذا رأي متمركز حول عنونة النص (نعاس في حضن انثى) لأني توصلت من خلال قراءة فاحصة الى تنوع مفاهيمي وتوصلات عن جغرافية المكان التي حازت على خصائص مقدسة وجوهرية، ومثل هذا النص المهم يستحق اكثر من فحص وأنا ذاهب لذلك، لأن وسام هاشم إحدى العلامات الشعرية المهمة وهو الذي احتك بنا مغادراً صمته ليقول لنا ما سنتحدث عنه، لأنه يعرف أننا نقرأ له ونحتفي به. 
هذا شاعر لم يترك لنا غير سهول بحجم القفص، لم يترك لنا غير قفص بحجم الفضاء ولعب على العنوان أيضا منحنا مكاناً هو الذي عرفه وتركه لنا، كينونة ابدية، وكأنه فقير، بائس، صامت، لكن صمته ايقاعي، حنينه نفس صاعد ونازل.
 وسام هاشم كتب عن نعاس من نوع خاص، فريد، وغريب، وكأنه لا معقول، لأنه قاد الكائن النعسان واستعاد طفولته، هكذا يوحي لنا العنوان، انه المعنى الاخر، وعلينا مراقبة تعدد الدلالات وتجددها. لا ادري لماذا قال رولان بارت بالمعنى الثالث؟ وهو المعنى الغائب وربما ارادة الذاكرة ذهبت نحو طفولية بريئة. لكن هذا احتمال ضعيف، ولو كان كذلك لما كان حضن الأنثى. 
وهو دال على صفة الإيروتيكية .
المثير في هذا العنوان المكتفي بتساميه، وسرديته فاتحة ابواب التأويل (نعاس في حضن الانثى) دال على وجود اثنين، رجل وانثى، لكن محكية النص جمعية، وتجاوراً مع تنوعات الحكي في المتن النصي، نستطيع ان نقول بغياب الرجل، مأخوذاً بغياب الجماعات المشار لها. واذا افترضت القراءة هذا، منحتنا جمالاً وتجاوباً، وتظل الانثى وحيدة، يقظة، مهيمن عليها النعاس، لكنها صاحية، ربما هي التي استحضرت دورها الحكائي الاول وكانت في نص وسام هاشم تستعيد حكايات النهارات 
والليالي ـ لكنها ليست متماثلة، بل مختلفة. ويعطينا الشعر ما هو ممكن وتهمس لنا القراءة بأن النعاس نعاسها المتراكم في حضن الانثى، واحتمال وجود كائن مذكر ضعيف، غير قادر على الفعل، لانه محيط بمتراكمات لم يتكتم عليها النص «حذر هراقليطس قديماً معاصريه مما يأتي من الحواس، فقد تكون هذه المنافذ شواهد مزيفة، اذا كانت الروح عاجزة عن فهم لغتها، هو ذا التكامل الامثل بين الانفعال لحدس فني هو مصدر المتعة التي تتسلل الى جسد حاس وبين اللفظ الذي يقوم بشرح هذا المصدر لاحقاً / سعيد بنكراد / تجليات الصورة / المركز الثقافي للكتاب / الدار البيضاء / 2018/ص86//