في الحاجة الى اللغة المولدة

ثقافة 2020/10/18
...

د. حسين القاصد 
 
كلما تطورت الحياة وظهر فيها مايحتاج لتسميته وفقاً لاستعماله وحاجته، وأسبابه التداولية ونتائجها، والعقد الثقافي بين المتكلم والمتلقي، صار يجب أن تتفق كل هذه الاسباب على لفظة دالة يفهمها المخاطِب والمخاطَب علي حدٍّ  سواء. 
 واللغة احتياج إنساني ولم تحتفظ أية لغة في العالم على ألفاظ ثابتة، من دون أن تتفرع الى لهجات يجمعها خيط المعنى والذريعة التداولية والعقد الثقافي المشترك، ومن دون أدنى شك فإن التواصل يكون في الاشتراك ومايفرضه العرف الثقافي.
 من هنا تظهر الحاجة للغة المولدة التي قد تكون في جانب من جوانبها لهجة محليَّة لها جذور فصيحة لكنها هجنت بعد أن لاكتها الألسن، او ألفاظ أجنبية دخلت الواقع اليومي وصار التواصل بها لاغنى عنه، وهو ما حدث في أغلب اللغات؛ أما في العراق فقد بدأت اللهجة العراقية بألفاظ جديدة منذ الدولة العباسية وعاصمتها بغداد، حيث شقت بعض الالفاظ طريقها الى الشعر لتنال رتبة تقربها من اللغة الأم.
يقول العلامة محمد حسين الأعرجي (تحدث الجاحظ في كتابه «الحيوان» عن كيفية صناعة الشَبَه، أي صناعة الحديد الذي يطلى بلون الذهب فذكر كلمة «الناطف» التي هي سبب في اتحاد النحاس بالحديد، ففسّر الأستاذ المرحوم الدكتور عبد السلام محمد هارون كلمة الناطف يوم حقق «الحيوان» بأن 
«الناطف» نوع من الحلواء يكون فيه اللوزينج ... توجهت الى أستاذ صديق متخصص بالكيمياء فسألته عن كيفية التحام النحاس بالحديد ليكون شبهاً بالذهب 
فذكر لي مصطلحاً كيمياوياً باللغة الانكليزية، وأسهب في شرح خصائصه، فأدركت أن الجاحظ كان يريد هذا المصطلح الكيميائي لا الحلواء، والا فما علاقة بالحلواء واللوزينج)؛ أقول: ربما مال المرحوم د.عبد السلام 
محمد هارون لمقاربة الطعم باللون، فاختار الحلواء 
لأن الذهب جميل، و«الشبه» ايضا؛ كما أن العراقيين 
مازالوا يستعملون كلمة «شبه» لتدل على ما اراده الجاحظ، لكنهم ينطقونها بلهجتهم المحلية بكسر الشين 
وفتح الباء وتسكين الهاء «شِبهْ»، لكنها انحسرت أو ربما اختفت تماما في دلالتها على هذه المادة الشبيه 
بالذهب، وهم، أعني العراقيين، مثلهم مثل سائر العرب يستعملون كلمة الشَبَه أينما وردت بمعنى التشابه 
لا بكونها اسما مولداً أطلق على شبيه الذهب او 
مغشوشه. 
ومثل هذا كثيرٌ جدا في لهجة العراقيين، ومنه ما ورثوه مولداً من الموروث الأدبي لا سيما في العصر العباسي، أو ما فرض نفسه على لهجتهم بسبب الاحتلالات الكثيرة ودخول ألفاظ اجنبية واستقرارها في لهجتهم لتسهيل عملية 
التواصل.