هؤلاء الثلاثة!

آراء 2020/10/19
...

جواد علي كسار
 
حصل ذلك في القاهرة قبل ثلاث سنوات، حينما واكبت عن قرب مناقشة أحد الأصدقاء رسالته للماجستير، ثمّ قرّر بعدها استكمال دراساته العليا في الدكتوراه، وقد طلب منا نحن أصدقاؤه أن نقترح محاور وأفكار، تكون مادّة لرسالته في الدكتوراه.
شخصياً اقترحتُ دراسة هذا الثلاثي؛ هشام شرابي (1927- 2005م) وإدوارد سعيد (1935- 2003م) ووائل حلاق (معاصر، ولد: 1955م) لجهة كثرة العناصر المشتركة في ما بينهم. فالثلاثة من فلسطين ولدوا بها وعاشوا فيها شطراً من حياتهم، قبل أن ينتقلوا للدراسة والعيش في الغرب؛ تحديداً في الولايات المتحدة، فتخرّجوا من جامعاتها، وتحوّلوا إلى أساتذة وباحثين بارزين. أضف إلى ذلك أن الثلاثة ينتمون إلى عوائل مسيحية، قد جمعوا بين العمل المعرفي والنشاط السياسي، ولاسيّما هشام شرابي وإدوارد سعيد.
على الصعيد المعرفي تحوّل الثلاثة إلى بؤرة فاعلة في العمل الفكري، بل إلى مرجعيات تنظيرية بارزة في اختصاصهم الفكري، وللثلاثة مؤلفات مهمّة وضعوها باللغة الإنكليزية، ثمّ تُرجمت إلى العربية وغيرها من اللغات. خاضوا ثلاثتهم تجربة عميقة في النقد المعرفي للغرب، في نطاق مراجعة واسعة تنطلق من نقد المركزية الغربية، في المعرفة أولاً وفي السياسة تبعاً لذلك، وكان لنقدهم صدىً كبيراً في الغرب، فهم قد عاشوا فيه وتحدّثوا وكتبوا بلغته، وبرعوا في معارفه، وكان لهم مواقع الأستاذية في جامعاته ومراكز دراساته، ومن ثمّ لا مجال للشك بكفاءتهم النقدية وبراعة أدواتهم.
لو بدأنا بهشام شرابي فلا يسعنا في الشرق عُشنا أم في الغرب، أن نتجاوز أطروحته الأساسية عبر كتابه الأشهر: «المثقفون العرب والغرب» ثمّ تأتي بعد ذلك كتاباته عن تحليل أوضاع المجتمعات العربية، عبر قضية التقدّم والتخلّف، كما تجلّت في مؤلفاته: «مقدمات لدراسة المجتمع العربي» و«النظام الأبوي» الذي أعاد فيه نسبة التخلف، إلى النزعة الأبوية المستحكمة في المجتمعات العربية والمسلمة، قبل أن يتحوّل إلى نقد نظريات التفسير، من خلال كتابه الصريح والشيّق: «النقد الحضاري للمجتمع العربي».
مع إدوارد سعيد قد لا نحتاج إلى مؤونة كبيرة، فما تزال كتبه تسجّل لنفسها حضوراً مكثفاً ضمن مجتمعات المعرفة، في أغلب مناطق العالم؛ أقصد بها «الاستشراق» ثمّ كتابه المكمّل له: «الثقافة والإمبريالية» وما بينهما كتابه المشهور: «تغطية الإسلام»، ومن بعدها«تمثلات المثقف» و«السيف والقلم» وغيرها كثير.
يبقى وائل حلاق، وقد يكون أقلهم ألقاً من حيث انتشار اسمه، رغم غزارة إنتاجه النظري، وسعة معرفته في ما يتصل بالفكر الإسلامي عامة والشريعة خاصة. شخصياً تابعتُ وائل حلاق من خلال سبعة كتب، احتفظ بها في مكتبتي، كان آخر ما اشتريته له من معرض القاهرة للكتاب عام 2018م، كتابه: «ما هي الشريعة؟» وهو كبقية كتبه وسلَفيْه، ترجمة عن الإنكليزية.
لكن يبقى اسم وائل حلاق أكثر التصاقاً، بكتابه الأشهر: «الدولة المستحيلة»، تماماً كما اشتهر شرابي بكتابه: «المثقفون العرب والغرب» وإدوارد سعيد بكتابه: «الاستشراق».
من عناصر الاشتراك التي أنبّه إليها من دون أن أقصد الإيماءة إلى شيء ما، أن سعيد وشرابي ماتا كلاهما بالسرطان، ونسأل الله العافية والستر لوائل حلاق، وأن تنطلق بأحد شبابنا همّته، لتقديم المنظومة الكاملة لهؤلاء المناضلين الثلاثة، على خطّ المعرفة والحياة معاً!