المبدعون.. ثروة قوميَّة

ثقافة 2020/10/19
...

عبد الحسين علوان الدرويش*
 
 إن الشعوب تحترم مبدعيها الأحياء والأموات من خلال الاستذكار والتقدير والتبجيل الذي تقابلهم به، ولا تتركهم يواجهون مصاعب الحياة من دون تقديم المساعدة والعون لهم. في الحقيقة اطّلعت على كتب عدة تبحث عن (أين كان الادباء يكتبون، وعن بيوت الكتّاب والأدباء في العالم)، وقد قمت أثناء إقامتي في مدريد، بزيارة عددٍ كبيرٍ من بيوت الأدباء والكتاب والمشاهير في جميع الفنون الإنسانية، كُنت أفكر في الكتاب والادباء العرب وخاصة العراقيين، وغالبيتهم لا يعيشون هذه الرفاهية، من اختيار المنزل وديكوراته، واللجوء فيه الى عالمهم الحميمي الداخلي، وأشيائهم الصغرى وأدواتهم وملابسهم وحتى أعقاب سكائرهم وصحفهم القديمة. ومن الجدير بالذكر هناك تقام وتؤسس مدن في أحسن موقع وبيئة مثالية للكتّاب المبدعين في مجالات الشعر والسرد. وتهدى لهم من دون أي مقابل، ليستقروا فيها ويبدعوا!، في حين تتحول بيوت الآدباء الأوروبيين الى متاحف وأماكن لها قدسيتها في قلوب من قرؤوا كتبهم وأمضوا أوقاتاً ممتعة مع أفكارهم، وبهذا تتحول هذه الأماكن الى سياحة عالمية لها مردودات مالية عالية للبلد الذي يوجد فيه الكاتب، إذ تصنع ملابس وأقلام وقرطاسية ونماذج صغيرة تمثل حياة الكاتب والمؤلف وأبطاله عبر نصوصه الروائية مثلما فعلوا مع الكاتب العالمي الشهير (سرفانتس) وروايته العالمية (دون كيخوت) في اسبانيا. 
فالكاتب العربي لا يربح أموالا وموارد من كتابته، لذا فهو يعجز عن تأمين مسكن له، ومن الجدير بالذكر، لقد انطلقت شبكة المدن الإبداعية التابعة لليونسكو في عام 2004م، وذلك بالاستناد إلى مقررات الجمعية العمومية في الأمم المتحدة، التي أكّدت أنّ الثقافة والابداع عنصران أساسيان داعمان ومحركان للتنمية الحضرية المستدامة. وقد طلبت من اليونسكو بأن تنشأ شبكة للمدن الابداعية، وقد حددت اليونسكو ستة مجالات إبداعية هي الأدب والموسيقى والسينما والحرف والفنون الشعبية والتصميم ووسائل التواصل الحديثة (الميديا) وفن الطهو وتقديم الطعام، وعلى هذا الأساس بدأت المدن بتقديم ملفات للانضمام إلى شبكة المدن الابداعية التي تهدف إلى تعزيز التعاون بين المدن التي تسلّم بأن الإبداع عنصر ستراتيجي في التنمية المستدامة في المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والبيئية. ولهذا تم اختيار بغداد إحدى مدن الإبداع العالمي من اليونسكو، اختيار يليق بها وتاريخها الابداعي، إذ أختيرت بغداد مدينة للإبداع الأدبي ضمن شبكة المدن الإبداعية لليونسكو إثر ترشيحها بين (47) مدينة من (33) دولة كأعضاء جدد مثلت مختلف الحقول الابداعية وبذلك تكون بغداد هي المدينة الأولى في مجال الأدب والمختارة من بين الدول العربية، والوحيدة من قارة آسيا وكذلك أفريقيا، وبهذا الترشيح، تصبح بغداد، كأول مدينة عربية منضمة لشبكة كان للمدن الابداعية التابعة لليونسكو، لا سيما أنّ عضوية المدن للشبكة كانت حكراً على الدول الأجنبية فقط. ومنذ اختيار بغداد مدينة الابداع الادبي من قبل اليونسكو في عام 2015م، وهي تواصل الفعاليات المتعددة بغية تقديم الدعم المعنوي لأدباء العراق ومثقفيه والتعرف عليهم والترويج لهم. 
فهي بمنصاتها الأدبية المتنوعة المتكونة من ثماني منصات توزعت ما بين منصة الإبداع، نادي الكتاب، نادي الترجمة، منتدى المرأة الثقافي، منصة المشغل المسرحي، منصة رؤيا للسينما، منصة فلكلور والفنون الشعبية، ومنصة ورشة الطفولة، تعد بمثابة نوافذ يطل منها المبدع العراقي على العالم بفكره وإبداعه. وكانت تعقد هذه المنصات صباح كل يوم خميس في القاعة المخصصة للمدينة الابداعية في بيت الحكمة. وبسبب جائحة (كورونا) تم تأجيل هذه الفعاليات الى أن يشاء الله وهو خير الراحمين، وبهذا تم العمل على المنصات الالكترونية لاستمرار نشاط وفعاليات المدينة الابداعية، وقد صرح المدير التنفيذي لبغداد مدينة الابداع الادبي اليونسكو الدكتور صادق رحمة: وصل الينا بتاريخ 2020/9/24 تقرير منظمة اليونسكو ومقرها في باريس، عن إعادة وتجديد الثقة لبغداد مدينة الابداع الإدبي/ اليونسكو، إذ جاء في تقرير مراقبة العضوية لشبكة المدن الابداعية: إن بغداد الابداعية تمتلك تراثاً شعرياً هائلاً واشتغالات ترجمية غنية، وثقافة أدبية حيوية جداً. 
وأضاف المدير التنفيذي د.صادق رحمة: ان تقرير المنظمة العالمية أكد أن التغطية الاعلامية التي رافقت تلك الفعاليات والانشطة المتعددة المجالات، قد قامت بعملها على أحسن ما يرام، ومتابعة جادة، كان صداها واضحاً لدى شبكة المدن الابداعية، إذ كانت (التغطية الاعلامية قوية جداً).
 *المستشار الإعلامي لبغداد مدينة الابداع الادبي / اليونسكو