في عام 1954 أصدر الناقدان المصريان محمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس كتابهما النقدي الشهير (في الثقافة المصرية) في بيروت بتقديم المفكر حسين مروة.
استخدم الناقدان مسطرة جدانوف لقياس كتابات الاجيال السابقة، أمثال طه حسين والعقاد والمازني وشكري
وسواهم .
وكانت الردود المألوفة قاسية قسوة الناقدين الشابين يومها وقد حركا شيئا من تيارات الوسط الثقافي المصري-العربي أيامها.
كان انقلاب يوليو 1952 يبحث عن ممثلين لتياره السياسي الفكري الجديد، فقد أصدر ضابط الشرطة المسرحي سعد الدين وهبه عام 58 مجلة (الشهر) بدعم من
الدولة.
كانت تصمم موادها زوجته الفنانة سميحة ايوب، وكانت لنا عدة مقالات فيها عن كتب عراقية حتى راحت المجلة اصداء وتفرغ سعد الدين للمسرح كما هو معروف.
قبل ذلك شجع أنور السادات ضابط القيادة صديقه الروائي يوسف السباعي (وهو ضابط وكاتب معا وجار عبد الناصر والسادات) على اصدار مجلة (الثقافة الجديدة) عام 1954 التي استمر اصدارها حتى عام 1958 لتكون ضامة لجميع التيارات الثقافية المتنافسة في الساحة الثقافية المصرية، ولتلتفت ايضا على التيارات الثقافية في العالم العربي.
قبل ذلك ايضا كانت تجربة السادات في اصدار مجلة (التحرير) تجربة صحفية غير مهمة ثقافيا، لكن التجربة الأهم هي تجربة (الرسالة الجديدة) التي قامت الهيئة المصرية للكتاب مؤخرا بطبع كل مجلداتها الدسمة فكريا لتشكل خطوة توثيقية مثلى.
أردت القول إن هجوم القديم على الجديد (الاهواني وطه حسين على الشباب والعقاد على الشعر الحديث) يماثله هجوم الشباب على منجزات الاجيال السابقة، وأن استمرار الصراع الثقافي بين الاجيال كان نبيلا محركا للتيارات والافكار.
كانت مجلة (الاديب) البيروتية ثم (مجلة الاداب) بعدها مركز استقطاب الاجيال العراقية المتعددة وكانت النقاشات النقدية لاتقف عند محور الافكار والبنية فقط، ولا ترتبط بصراعات البلد الواحد بل بالنتاج الفكري
بعامة.
وقد كانت لنا اسهامات جادة في هاتين المجلتين كما اسهم المؤسسون العراقيون مع الدكتور ادريس، أمثال صفاء خلوصي ومحيي الدين اسماعيل وشاكر خصباك وسواهم.
وكان التحاق الجيل الجديد من النقاد العراقيين أمثال ياسين النصير وفاضل ثامر وفاضل العزاوي مصدر اعتزاز تحرير تلك المجلات.
أردت القول في ختام هذه المقالة إن صراعات الأجيال قضية مهمة وضرورية فالحياة تتدفق يوميا بالجديد المضيف، لكن محاولة التغييب والتضييع ونسيان المثل عملية غير منصفة لا يقرها علم النقد قبل سواه.