قصة نجاح!

آراء 2020/10/20
...

جواد علي كسار
سمعتُ أنه عاد تواً من مصر يحمل معه قصة نجاح، فالتقيتُ به بمضافة واقعة على فرع نهر الفرات بمنطقة الحسينية، في ليلة قائظة شديدة الحّر في بغداد؛ معتدلة بل لطيفة على شاطئ الفرات.
 ذكر أنَّ قصته بدأت برحلة قامَ بها إلى القاهرة مطلع العام 2006م، وهو يفكر بمشروع عمل. لم يكن يحمل من المال سوى (5000) دولار تآكلت بعد ثلاثة شهور، ولم يبق منها إلا قليل. لاحظ أنَّ مشروع العمل يحتاج إلى الاندماج مع الناس، ورأس مال كبير، والتعامل اليومي المباشر مع قاعدة العمل المصريَّة، وهو ما لم ينجح به في الأشهر الثلاثة الأولى من إقامته في القاهرة، فقد فشل بمشروع افتتاح مطعم في منطقة 6 أكتوبر، التي تشهد تواجداً مكثفاً للجالية العراقيَّة.
قّرر أنْ يعطي لنفسه فرصة أخيرة مداها الأقصى شهر، لكي يبلور مشروعه في العمل. تحرّك في هذه المدّة على خطوطٍ عّدة، فمن جهة ترك السكن في الفندق، إلى شقة رخيصة، وراح يتناول الأكلات الشعبيَّة، تماماً كما تفعل الشغيلة المصرية والعامة من الناس، مع بسطيات الفول والفلافل واللفات الرخيصة وعصير القصب والمنكة. ومن جهة أخرى حرص على شراء الصحف والتركيز على قراءتها يومياً، ليستكشف أوضاع البلد ومشكلاته وحياة الناس وهمومهم، فكان يعيش يومياً مع صحف «الاهرام» و«المصري» و«الأخبار» لكنْ بالتناوب، والحصيلة التي انتهى إليها أنَّ البلد مستقرٌ سياسياً وأمنياً، يعيش ثباتاً اقتصادياً من خلال استقرار صرف العملة، وانسياب معاشات الموظفين.
على خطّ آخر مرّن نفسه في التعامل المباشر مع العمال المصريين، حين تبرّع للعمل مجاناً ضمن نوبة ليليَّة، في فرنٍ يملكه عراقي بمنطقة المعادي، وكانت قناعته النهائية آخر الشهر، أنَّ فرص العمل مع أنها ممكنة في القاهرة، لكنَّ الذكي فقط هو من يستطيع العمل، والفرص مؤاتية لمن يفكر ويُبدع وينجح في كسر حاجز الرتابة والروتين اليومي، لذلك قرّر ترك القاهرة، لأنه قدّر أنَّ فرص النجاح أمامه ضئيلة. 
أخذ قراراً بالاتجاه الى الاسكندرية، خدمته في ذلك خدعة تعّرض لها من سائق مصري، حينما رغب أنْ يركب القطار، لكنَّ السائق شجّعه، السفرعن الطريق البرّي، لكي يربح أجرة نقله إلى الإسكندرية، وهذا ما كان. في الطريق الى الإسكندرية انبثقت في ذهن صاحبنا فكرة إنشاء مزرعة، وهو يُتابع كثافة المزارع التي حوّلت الصحراء الى مساحات خضراء مثمرة، لا سيّما قرية الأسد، ساعدته على ذلك تجربة سابقة له في الأردن بتصدير المحاصيل الزراعيَّة إلى بلده العراق. بدّدت الإسكندرية أحلامه مجدّداً، وكاد أنْ يُسلّم نفسه لليأس ويقفل عائداً إلى بغداد، لولا عراقيّ التقى به صدفةً، وتبادلا المجاملة وكلمات التعارف، ثمّ اتصل به يوماً، وقد واعده في مكتب لتصدير الخضار. توطدت علاقته مع المصري صاحب مكتب تصدير الخضار، وتحوّلت إلى عملٍ بين الاثنين، وتطوّرت إلى شراكة تجاريَّة، توسّعت من تصدير محدود للبطاطا إلى السعودية، إلى تصدير الليمون والجوافة والخس إلى اليونان، ثمّ تجهيز شركة بريطانيَّة بالمنتجات الزراعيَّة، ومن بعد اليونان وبريطانيا شرعا بالتصدير إلى هولندا وهكذا.
تحوّلت الشركة إلى إنشاء مزارع خاصة بها، ومحطة للتعبئة تُشغّل (180) مصرياً بين الدائم والمؤقت، وقد ألحق بها الشريكان المصري والعراقي محطات لتربية الأغنام والعجول والدواجن. كان الدور الأبرز لصاحبنا في هذه العلاقة التجاريَّة التي امتدت على مدار عقدٍ ونصفٍ ولا تزال، هو العناية بالتسويق وتقليل كلف النقل، وزيادة الحمولة، والبحث عن أسواقٍ جديدة. لقد حدّثنا عن تجربته على مدار ساعات في هذا اللقاء وغيره من اللقاءات، وقد تركته مؤخراً وفي نفسه غصة، لفشل محاولاته في بلده، إنشاء مشروع مماثل لمشروعه في مصر!