المستشارة وتخْليق المواطنة

آراء 2020/10/21
...

 رزاق عداي

المستشارة الالمانية انغيلا ميركل استقبلت قبل عدة سنوات اكثر من مليون ومئتي الف لاجئ من سوريا وبلدان عربية اخرى وافريقية، هاربين من اوطانهم التي حولتها انظمتهم الحاكمة الى جحيم لا يطاق، فاختاروا اللجوء من دون أوطان مزقتها كوارث الحروب اللامنتهية. اعتقد كثيرون أنَّ المرأة- المستشارة كانت قد غامرت بمستقبلها السياسي، عندما اتخذت قرار دمجهم على الفور مع المجتمع الالماني، بدلا من عزلهم في مخيمات لاجئين او في كونتونات خاصة بهم، اعتقادا منها أن هذا الإجراء من شأنه تخفيف وطأة الاحساس بالللجوء، 
وايقاظ الشعور بالمواطنة والمشاركة الوجودية العامة الجديدة عند الشخص القادم من بلدان اخرى، وهي تعرف تماما مديات هذا الاجراء الخطير، ابتداء من ما سوف يصدر من هؤلاء الطارئين على البيئة والمجتمع الالمانيين، من 
منغصات وسلبيات يفرزها واقع الاحتكاك بين ثقافتين ومستويين حضاريين، ولم يغادر بال المستشارة شدة استنكار وشجب المنظمات القومية الالمانية المتطرفة، وفلول النازية الجديدة، وحجم 
تحسسهم من الغرباء على الداخل الالماني، مع تصاعد النزعة الشعوبية ليس في المانيا، فحسب انما في عموم المجتمع الغربي.
اما مثبطات ومناكفات دول الاتحاد الاوروبي التي واجهت السيدة ميركل في مشروعها، فلا تقل قساوة مما واجهته في الداخل، حتى كان الرفض البريطاني عمليا، عندما اعتبرت ان الطريقة الالمانية في التعامل مع اللاجئين تأتي في طليعة الاسباب، التي حرضتها على الخروج من الاتحاد الاوروبي، وكانت ميركل اسمعت العالم كله أن المانيا ستدشن أنموذجا جديدا في احتواء هؤلاء اللاجئين، وتنتج منهم ميزة اقتصادية -اجتماعية المانية جديدة، وهي بصدد ممارسة لاحقة في تخليق للمواطنة والتوطين، ورغم المدى الزمني القصير، والصعوبات الجمة التي واجهتها المستشارة الالمانية في هذا التحدي، ولكن النتائج الاخيرة تشير الى أنَّ نسبة عالية من هؤلاء االلاجئين في طريقه للاندماج الطوعي بالمجتمع الالماني من خلال مغادرة الاحساس باللجوء ونجاح خطة المشاركة العضوية، التي اعتمدت في تطبيع هذه الاعداد الكبيرة مع المجتمع الالماني ككائنات تتلمس حضور مواطني جدد. 
استطاعت ميركل في تخليقها العملي تجاوز مقومات المواطنة القديمة وتضفي مشروعا انسانيا شاملا، فالشعوب التي تبدع الحياة تجمَع حتى الغرباء، لتضمهم اليها، عكس انظمتهم التي تفتعل الازمات والحروب والحرائق، بين الحين والاخر لتجعل منهم قطعانا من النازحين واللاجئين.