طوباويَّة العدالة بين النخب والعامَّة

آراء 2020/10/23
...

 حسين الذكر
 
 
على مر العصور وبجميع أنواع الأنظمة تشكلت الطبقة الحاكمة من النخب، التي لا تتجاوز نسبتها حوالي خمسة بالمئة من السكان بأفضل الأحوال، بينما ظلت عامة الشعب واكثريته تشكل الطبقة المحكومة، التي لا يمكن أن تتساوى بامتيازات الطبقة الحاكمة حتى في جمهورية افلاطون الطوباوية، وذلك لامور شتى منها تفاوت الإمكانات والظروف الخلاقة وتأثير الحظوظ في طبيعة الانسان المحبة للظهور والتملك والتحكم بمعزل عن هوية العقيدة الأخلاقية، التي يحملها او يتسمى بها او لصقت به او رفعها شعاراً دون التمكن من تطبيق جزء من واجباتها ومتطلباتها المبدئيَّة. 
بعيداً عن تصنيف وتقييم نوع الأنظمة والمسميات فردية او جمعية، الا ان الانسان لا يستطيع التخلص من ذاتيته وآنويته الحكامة المتغلغلة بكل قوتها الظاهرة والخفية، ما جعله اسير تلك القيود المشددة والعواطف النرجسية العاتية المجتاحة لكل مراحل حياته ورغباته وتطلعاته المشروعة وغيرها، مهما حاولنا تنزيه الحكام عن غيرهم، هنا نتحدث عن القاعدة وليس شواذها التي لا تمت بصلة لها، فقد وصمت الانسان وتمكنت من قيادته نحو نزواته ودوافعه منذ الخليقة الى يومنا هذا، وربما حتى انتهاء خلافته على الأرض التي ما زالت تنوء بمخاض ضحايا القوة والهيمنة مهما تعددت أنواع الحكم وتنوعت.
مع هذه النظرة التشاؤمية في الحكم، التي لا يمكن أن تتسم بالعدالة الاجتماعية، التي أرادتها وخطتها السماء والشرائع وامنيات وطموحات الفلاسفة والحكماء، الا أن بعض المجتمعات المتحضرة، استطاعت أن تسن قوانين حاكمة متنفذة، مع انها لم تحد من الفوارق والصلاحيات عن النخب، لكنها تمكنت في نهاية المطاف من خلق بيئة مناسبة لاطلاق حرية الانسان وابداعاته وتحقيق طموحاته او جزء منها، فضلا عن اثبات الذات وربما خلق بيئة مناسبة لفكر الإنسان بتدبير شؤونه والتفكر بشؤون الخلق وسماواته وخالقها جل جلاله.
قطعا ان ذلك وللأسف الشديد ظل محصورا في بيئات معينة محدودة مؤطرة بعنصرية وعصبية وقواعد مشددة لا تسمح للآخر في الاقتداء بها او تطبيقها على أرضه، ما جعلها مملكات خاصة جدا لا تستوعب الانسان بوصفه انسانا حرا متجردا عن أسمائه وألوانه وجذوره واصله وطرائق تفكيره واعتقاداته ومتبنياته، هذا الفارق هو المعطل لسيادة الانسان" السوبرمان" على الأرض في ظل انسان مريض بداء العظمة حد التخمة، ولا يمكن تجاز صور المأساة بأشكالها المتعددة، كانعكاس طبيعي وافراز حتمي لهذا التفاوت بين صلاحيات وامتيازات النخب بما حرمت منه عامة الشعوب.