الحماية القانونيَّة للأسرار الحكوميَّة

آراء 2020/10/24
...

   القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي 
 
 
الوظيفة العامة مسؤولية وأمانة لخدمة المواطن و المجتمع تحكمها وتوجه مسيرتها القيم الانسانية والدينية ومن بيان واجبات الموظف كتمان الاسرار الوظيفية، فالكتمان يكون فضيلة اذا حصل في أمور تتطلب عدم افشائها لأن المصلحة المعتبرة تتوجب عدم إظهارها للغير، فمن أخطر الامور على الدولة هو إفشاء الأسرار الوظيفية، لذا فإنَّ الدولة تسعى الى حماية أسرارها الوظيفية بصياغة نصوص تشريعية تتضمن عدم إفشاء هذه الأسرار وتجريم هذا الإفشاء و أسرار الدولة (الأسرار الحكوميَّة)، أما أنْ تكون حقيقيَّة وهي المعلومات أو الوثائق التي تعد من طبيعتها من الاسرار ولا يعلمها الا الاشخاص المكلفون بحفظها وصيانتها لأن مصلحة الدفاع عن الدولة تقتضي أن تبقى سرا على من عداهم، مثال ذلك المعلومات والوثائق العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي بحكم طبيعتها وأهميتها لا يعلم بها الاشخاص الذين لهم صفة في ذلك ويجب مراعاتها، بغية الدفاع عن الدولة وهي تحيط في الواقع بجميع الشؤون والمفاصل التي تتألف منها قوة الدولة، والتي تستعين بها في مواجهة عدوها الحالي، وإما أنْ تكون حكميَّة هي المعلومات أو الوثائق أو غيرها من الأشياء التي ليس في ذاتها سر ولكنها تعد في حكم الأسرار بمقتضى أمر حكومي مثل أسرار الدولة الحربية أو الاقتصادية أو الصناعية، لأن الأسرار الحكمية تأخذ حكم الاسرار وفقا لتعليمات السلطات المختصة وان اسرار الدولة تكون تلك المتصلة بوظيفة الدولة، بوصفها حكومة تدير السياسة العليا للدولة، مثل الاسرار المتعلقة بالأمن الداخلي والخارجي والأسرار، التي تخص العلاقات الخارجية للدولة ومن أجل المحافظة على سلامة الدولة، يجب أن تبقى هذه الأسرار طي الكتمان، وإن التزام الموظف بكتمان اسرار الدولة والاسرار الحكومية يستند الى ما يشغله الموظف من المكانة في تقديم الخدمات للمواطنين.
فمن واجب الدولة الحيلولة دون إفشاء هذه الاسرار لصلتها بالمصلحة الاجتماعية للعليا، فما تقرره الجهات الحكومية بأن يكون ذا صفة سرية فإنه يعد كذلك ويلزم بكتمانه ولا تكون اعمال الحكومة جميعها اسرارا، ويمكن أن تعد الأسرار الحكومية جزءا من أسرار السياسات العليا للدولة، التي تعني كل ما يتعلق بسياسة الدولة الداخلية و الخارجية، اما الأسرار الادارية للدولة فتشمل ما يطلع عليه الموظف من الوثائق والمعلومات والبيانات المعالجة الكترونيا وتصل الى علمه او يطلع عليه بحكم ممارسته لوظيفته في الدائرة الحكومية التي يعمل فيها، لذلك يكون من المصلحة العامة المحافظة على ما تحتويه تلك المعلومات والوثائق من الاسرار من قبل الموظف وعدم اطلاع الغيرعليها، الا اذا كان هذا الغير ذا صفة في تلقي تلك الاسرار، والأسرار الادارية منها ما يتعلق بعمل الادارة السري كخطة اعادة تنظيم المرفق العام او خطة الادارة في تخفيض قيمة العملة الوطنية، وكذلك السرية في اجراءات التحقيقات الادارية للمخالفات التاديبية، وإن الاسرار الادارية بمفهومها البسيط هي اسرار تلك الجهات الادارية، الدوائر والمؤسسات الحكومية، التي لا تمس سلامة الدولة في شؤونها الخارجية، الا أن افشاءها من شأنه الاضرار بالنظام العام وحسن سير المرافق العامة.
ويقتضي العرف الاداري بسرية تلك المعلومات وان قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل ينص على جريمة افشاء الاسرار في المادة ( 437 ) منه وان الشفافية في العمل الاداري لا تبيح نشر الوثائق والكتب الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما ان القانون قد اعطى الموظف من تقع تحت يديه معلومات تتعلق بجريمة، أن يقوم بابلاغ السلطات المختصة، لأن مصلحة الأفراد في تحقيق العدالة ترجح على المصلحة الناشئة عن كتمان الاسرار الوظيفية، ويعد الإخبار عن الجرائم من الاسباب الوجوبيَّة التي أوجبها القانون الجنائي لاباحة السر الوظيفي.