إلهاء الشعوب

آراء 2020/10/26
...

 ميادة سفر

تسعى الأنظمة الحاكمة في كثير من دول العالم وعلى الأخص بلادنا العربية لتوطيد حكمها وتمرير سياساتها، من خلال الإبقاء على الشعب رهينة بيدها تابعاً ذليلاً، عن طريق ما يمكن تسميته ستراتيجية إلهاء الشعوب، بطرق وأساليب مختلفة. تتمثل هذه الطريقة أو الستراتيجية وفقاً للمفكر الأميركي نعوم تشومسكي «بتحويل انتباه الرأي العام بعيداً عن المشاكل الاجتماعية  الحقيقية.

 وإلهائه بمسائل تافهة لا أهمية لها»، من خلال إبقائه مشغولاً بشكل دائم لا وقت لديه للتفكير بالسياسة التي تتبعها حكومته، ولا بحقوقه المستلبة، ويتحول كل همه للبقاء على قيد الحياة، وتأمين قوت يومه.استخدمت هذه السياسة من قبل دول عدة، ومن بينها الحكومات العربية التي أبدعت فيها، وبات بإمكانها منح شهادات خبرة حول كيفية إشغال وإلهاء الشعب بقضايا تافهة
 وصغيرة.
تغرق بعض الحكومات مواطنيها بمشاكل الحياة اليومية، يصرف الفرد جلّ وقته بالتفكير بتلك المنغصات الآنية والمتغيرة بشكل يومي تقريباً، فاليوم لديه ساعات على طابور الوقود، وغداً للحصول على السلع الضرورية، وهكذا يضيع الوقت الذي لا قيمة له في هذه البقعة من الأرض.
وتغدو قضاياه الأساسية كالبطالة والفقر ومكافحة الفساد كماليات في الحياة لا مكان لها راهناً، فلا وقت للخوض فيها والنضال في سبيلها أمام لقمة الخبز، وتأمين مستلزمات
 الدراسة.
تلك السياسة غالباً ما تلجأ إليها الحكومة لتغطية قضية معينة، أو التمهيد لتمرير قرارات تمس المواطن مباشرة، أو ربما للتعمية على سياسة ما أو حدث خارجي يجري التحضير له، حتى تصل به لوقت يجد أنّ أيّ حل لمشكلة من مشاكله يكون أقل إذلالاً، ليس فقط حلاً مقبولاً بل يغدو مطلباً شعبياً مرحبا به، ويُشكر المسؤولون عليه وعلى فيض
 كرمهم.
أسهمت وفي بعض الأحيان تواطؤات وسائل الإعلام في عهدها القديم ومنصات التواصل الاجتماعي حديثاً، في إلهاء الشعوب عن قضاياها الجوهرية الأساسية، فبإمكان فيديو مصور بكاميرا هاتف ذكي لتصرف قام به شخص ما، أن يشغل المتابعين لساعات وأيام وربما أسابيع. 
على سبيل المثال أثار فيديو لتنمر موظفة على أحد المواطنين سخطاً واستنكاراً كبيرين، لكنّ من حاول تفنيد المشكلة والبحث عن أسبابها وكيفية علاجها؟، بدءاً من مكافحة الفساد ووصولاً إلى اتباع طرق وأساليب محددة في تعيين وتأهيل الموظفين من أصغرهم إلى أكبرهم.
أما منظر الأم التي ألقت بأطفالها في النهر، ألا يدعونا إلى التفتيش عن مشاكلنا الاجتماعية، عن قوانين الزواج والطلاق والحضانة، وسواها من تشريعات قانونية وحتى تقاليد وأعراف تمس المجتمع مباشرة، لأن كل تأخير في المعالجة سينتج أشكالاً أكثر إجراماً وعدوانية.
يقول المفكر نعوم تشومكسي عن استراتيجية الإلهاء: «إنها عنصر أساسي في التحكم بالشعوب»، وعلى ما يبدو أن الحكومات في بلادنا نجحت في استخدامها بالطريقة الأمثل، وإلى أن تتمكن الشعوب من فهم الدرس وكسر الشرنقة التي وضعت فيها، ستستمر الأزمات وتتمدد.