موسم الهروب من الآخر

ثقافة 2020/10/30
...

 حسين الجاف
 
 
ارتديت كامل ملابسي الجديدة والانيقة وتعطرت بأفخر أنواع العطور وانطلقت بسرعة بعد أن ودعت زوجتي وأمي الى محطة الباص في الساعة السابعة والنصف كعادتي كل صباح، اذ كنت افعل هذا كل يوم معتمدا كل الاعتماد على الوصول المضبوط لباص مصلحة نقل الركاب كي يقلني الى دائرتي العتيدة التي لاتبعد سوى ثلاث كيلومترات من منزلي، ولا اكتمك سرا ان قلت انني احيانا كنت اذهب سيرا على الاقدام بدافع الرياضة او وتقليل الوزن، وانا في طريقي اليوم الى محطة الباص لمحت عن بعد شخصا بطولي نفسه أنيقا جدا ويرتدي ملابس جديدة مثل ملابسي ونظارات مثل نظارتي الشمسية ذات الاطار الذهبي،  باختصار كان كلما اقتربت منه اكثر كنت المس الشبه الكلي لشخصه بشخصي وقبل ان اصل الى المحطة لمحته يضحك في وجهي ويؤشر نحوي بمودة غريبة وكأنه يعرفني من زمن بعيد وما ان وطأت قدمي ارضية المحطة حتى أقبل نحوي بكل حماس ومودة ظاهرة ليأخذني بالاحضان دون ان ينبس ببنت شفة يقبلني على وجنتي ويربت على كتفي بعنف ملحوظ مقرف من دون ان اعرف من هو وماذا يريد مني ولما لمس مني صدّاً من  خشونة احتضانه وترحيبه بي تخلى عني قليلا ووقف الى جانبي وفي تلك اللحظة وصل الباص وهممت بصعوده فوجدته يزاحمني بل ينافسني على صعود الباص المكتظ بالركاب من دون تقدير لشخصي وكأنه لا يعرفني بالمرة ولم يسبق له ان امطرني بكل تلك القبلات المقرفة وذلك الاحتضان المزعج قبل قليل...على اية حال قررت تجاهل الامر وصعدت وفي صعوبة بالغة عثرت على مقعد للجلوس تلك الصعوبة حقا انستني ما لقيته من الشخص الغريب من تعامل مزعج وعندما جلست وجدته ويالخيبتي امامي مرة اخرى واخذ مرة اخرى ينظر الى هذه المرة شزرا ويتفرس بغضب في وجهي بل تعدى ذلك ليخزرني بنظرات حادة قاسية لم تشعرني بالخوف حسب انما ارعبتني ايضا.. لذا قررت ان انزل من الباص في المحطة المقبلة هربا من حشرية هذا الغريب الذي بدا لي أنه يبيت لي شرا وانا الانسان الوديع المسالم الذي قضى عمره بين الدائرة والبيت وبالعكس فأسرعت وسط اكتظاظ الباص بصعوبة نحو الباب لانزل واتخلص من هذا الشخص المريب، وما ان وضعت قدمي على  الرصيف حتى وجدته امامي مرة اخرى وهو يضحك ضحكة عريضة، وكانه يريد ان يفهمني بانه لاخلاص لي منه فإنه سوف يلحق بي حتى لو توجهت نحو المريخ على اية حال اثرت التجمل على الاصطدام معه واثناء تفكيري في ايجاد طريقة اكثر نجاعة  للفرار منه وصل باص آخر فصعدت فيه بسرعة البرق مبتهجا ظانا أني افلتت منه بعد ان غاب عن بصري وانا اهبط من الباص السابق وما ان جلست على المقعد حتى لمحته امامي مرة اخرى هو هو بطوله وعرضه وبابتسامته الصفراء وحركاته المنفرة لاقول مع نفسي: الله اكبر ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم ياترى من اين جاءني هذا المزعج في هذ الصباح المشرق لكنه غير السعيد  بالنسبة لي مرة اخرى ظهر باص جديد فتظاهرت بنية الصعود لذا سبقني بسرعة وصعد الباص ولما تباطأت في الصعود انطلق الباص بأقصى سرعته واخذ معه الوجه الكريه الغريب.. فحمدت الله الف الف مرة ان ابعده من طريقي ولما انتبهت الى الوقت فوجدت اني متأخر من الدوام لأكثر من ساعة بسبب هذه المطاردة العبثية فلم اجد بدا وانا المعروف بالالتزام الوظيفي ودقة الالتزام بمواعيد الدخول والخروج الى  دائرتي ولما كنت قد نسيت هاتفي النقال في البيت أسرعت الى اقرب هاتف عمومي لاتصل بمدير دائرتي واقول له اني متوعك الصحة وليس بمقدوري المجيء اليوم واعتباره اجازة خاصة لي فوافق المدير الحضاري المهذب على طلبي لمعرفته التامة بالتزامي المخلص بالعمل وعندما انهيت المكالمة واردت الخروج من كابينة الهاتف لمحته من خلف زجاجها وهو يؤشر لي بكلتا يديه ويبتسم، وهنا شعرت بالانزعاج الشديد وقررت الاشتباك معه بالايدي وعندما 
أحس بغضبي الشديد وبانفعالي من تصرفاته وسوء نيتي نحوه ابتعد عني وركب في اول سيارة تكسي ليمر بجانبي ويخرج رأسه من شباكها ويقول لي ضاحكا أول وآخر جملة نطقها.
 أمامي: اين المفر؟ فلا مناص لك مني فأنا قدرك ثم انطلقت السيارة التي أقلها لتسابق الريح