المخرجات الجماليَّة والتربويَّة في تنشئة الطفل

اسرة ومجتمع 2020/10/30
...

  د. علاء كريم
 
 
هناك الكثير من الأطفال وبأعمارٍ مختلفة وبأمكنة متعددة تتصرف بشكلٍ ينم عن عدم الاهتمام بهم من قبل الأسرة في مراحل طفولتهم الأولى، وذلك حين يسلك الطفل طريقاً مغايراً عن التربية الأسرية التي لا يختلف على أهميتها اثنان، لذلك يعدُّ المنزل عنصراً أساسياً في تنشئة الطفل، لما له من تأثيرات في بناء مستقبله، ومنها: تفعيل الوظائف التربوية والجمالية التي لا تتحقق إلا بتكاتف جهود الأسرة وتلبية حاجات الطفل النفسية وتوسيع مداركه العقلية، ما يحقق ذلك الإبداع عن طريق التفكر لأنه عملية ذهنية وليس وسيلة تعبير فقط. هذه الحوارية تدخل في عملية بناء الطفل اجتماعياً وفنياً وثقافياً. المسرح عالم من العوالم التي تتصل بعملية صناعة الوعي على شكل يتفق مع المبادئ الحياتية، ومسرح الطفل منظومة تقنيَّة لها أبعادٌ تربوية وجمالية متعددة، إذ يهتم هذا المسرح بمراحل النمو المختلفة عند الطفل عبر اشتغال العناصر الأساسية في فضاء هذا المسرح المتفرد بخصائص تميزه عن مسرح الكبار، وبالتالي يصنع داخل هذا الفضاء الصور الحسية المرتبطة بالفلسفة الجمالية التي ترتبط في صياغة الفكر الفلسفي المرتبط بالأشياء المحسوسة. والمسرح مكانٌ مهمٌ ومثيرٌ للطفل لأنَّ مرحلة تكوينه العقلي والبدني والنفسي والاجتماعي، تسمح له بأنْ يستقبل كثيراً من القيم التي تعتمد أو تعنى بالجانب التربوي. وهذا ما يتفق عليه الجميع على أنَّ المسرح مظهرٌ حضاريٌّ يرتبط بتقدم الأمم ورقيها، وهو ليس وسيلة ترفيه أو متعـة بقدر ما هو أداة تنوير ووسيط هامٌ لنقل الفكر وبث الـوعي والنهضة الاجتماعيـة والمعرفية، لذلك لـم يكن «مارك توين» مبالغاً حين ذهب إلى أنَّ مـسرح الطفـل هـو أعظـم الاختراعات في القرن العشرين. كثيرة هي الأهداف والمقاصد التي يؤديها هذا الفن بوصفه وسيلة تربويَّة تعليميَّة تدخل في نطاق التربية الأسرية والتربية الخلقيَّة، فضلاً عن مساهمته في التنمية العقلية داخل المدرسة وايضاً داخل الأسرة، وذلك بوساطة الأفعال المغايرة التي يقدمها لنا المسرح، والتي تنمي وتنشط عمليات الخلق والإبداع الفني بعملية تثقيفيَّة متفردة، والأطفـال ينجـذبون بطبيعتهم للمسرح بوصفه (نوعاً من اللعب التخيلي) لأنه يجمع بين اللعب والمتعة الوجدانيَّة، وفيه الحوار والألوان والموسيقى والحركة، فهو بدوره يعمل على بناء شخصية الطفل، ورسم اتجاهات ميوله ونمط شخصيته وتربيته، وهذا ما يؤكد أنَّ المسرح ركيزة مهمة وأساسيَّة تدخل في عملية التنشئة والتربية.
حقق مسرح الطفل الذي أُسس بمدينة (برلين) شهرة واسـعة لارتكـازه علـى معايير وأسسٍ علمية، تمثلت في تقديم المسرحيات المناسبة لأعمار الأطفال، واهتمـت بما يدخل البهجة في قلوبهم، ويغذي فيهم روح البطولة وحب الخير والجمال، ثم أصبح هذا المسرح مدرسة متقدمة الفكر والمفاهيم المتعالية، كما في فرنسا التي تعطي اهتماماً بالغاً بالمسرح المدرسي، وتقسم باريس إلى أحيـاء، وتقـدم مدارس كل حي أعمال واحد من الكتاب البارزين، وفي إيطاليا اهتمت (جيسي جرانتو) بإنشاء مسرح للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين خمسة أعوام إلى عشرة، وذلك عام 1959، وكان اهتمامها في اختيار النص المناسب ليس للطفل فقط وإنما للأب والأم اللذين يصطحبان الطفل إلى المسرح، وقد ركـزت (جيسي) على المسرحيات التي كان لها رنين وصدى في المشاعر مثـل (سـندريلا) و(الأميرة الجميلة النائمة). إنَّ العمل الجاد والواعي من قبل الوالدين في تربية الأبناء سيكون له بالغ الأثر في التأثير الإيجابي للأطفال وفي التكيف مع المدرسة والمجتمع الذي يعيشون فيه.أرى وفق ما تقدمت به، أنَّ الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي ينشأ فيها الطفل ويتعلم من خلالها القواعد والأصول التربوية، فضلاً عن المدرسة وبقية المراكز الفنية، فبالتالي ضرورة إشباع حاجات الطفل وإعطاؤه الثقة التي من خلالها يشعر باستقلال اختياره وحسب ملكته العقليَّة ليرسم طريقه بشكل يتناسب مع شخصيته.