حميد طارش
بعد ما يقرب من العقدين على التغيير يتجه العراق بشعبه ومؤسساته وسمعته وسيادته الى الأسوأ وعلى جميع الاصعدة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والامنية مع تفشي ظاهرة الفساد والجريمة المنظمة والعنف المجتمعي وتعاطي المخدرات وغيرها، وهذه نتائج لذلك الاتجاه، وبعيدا لما اختلف عليه في الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالاصلاح فالسلمية منها مشروعة والعنف والاعتداء جريمة يعاقب عليها القانون، والمندسون فيها أمر وارد جدا يستوجب اليقظة من الجميع، فإن قضية التدهور والفشل والتخلف وضرورة ايقاف تداعياتها ومعالجتها عن طريق الاصلاح لايختلف عليها اثنان، فالكتل السياسية ومجلس النواب والسلطة التنفيذية تعترف بها وتعطي الوعود تلو الاخرى بالعمل للخلاص منها، وهكذا بالنسبة لافراد المجتمع فهم الذين ذاقوا وبال الفساد والمحاصصة بغياب الأمن والخدمات وفرص العيش الكريم، وأما المرجعية الدينية الرشيدة فقد صرحت مرارا وتكرارا حتى «بح صوتها» واعلنت عن تعليق خطابها السياسي وعن استقبال السياسيين!! بل ودعمت المحتجين في العديد من خطاباتها وهي ترى الاحتجاج نتيجة منطقية لكل ما اعترى المجتمع من ظلم وحيف وتمييز لايمكن رفعه من قبل الساسة المستفيدين، وهكذا اصبح الامر وكأنه صراع بين المستفيدين بالباطل والمحرومين ظلما...
إذن قضية الاصلاح متفق عليها ولا أعتقد منطقيا ان تتم هذه العملية من قبل الساسة أنفسهم، ربما عوّل العراقيون في السنوات الاولى على امكانية ذلك لكنها ذهبت دون جدوى بل وزادت من جراحهم وحرمانهم ...
ولعل اهم اسباب فشل الساسة هو تبنيهم للمحاصصة الحزبية الضيقة التي لاتؤمن بالكفاءة والنزاهة ووجود الشخص المناسب في المكان المناسب فكانت المشكلة الاساسية غياب المختصين الاكفاء، مما ادى الى فشلها ومن ثم القضاء على اهم لبنة في تقدم الدول ورخاء شعوبها وهي وجود مؤسسات كفوءة قادرة على بناء الدولة واشباع حاجات الناس، وهكذا وصل الامر بهم الى اعتماد السياسيين ممن فشلوا في الحصول على مقعد برلماني او وزاري كمستشارين، وهنا غابت اهم حلقة دعم واسناد للسياسي فالسياسي في جميع دول العالم ليس مختصا ولكنه بمشورة المستشار يمكن ان يتحقق نجاحه الوظيفي، ومن ثم نجاحه السياسي.. وأذكر جيدا أحد الرؤساء عند حضوره حفل تكريم انتهاء ولايته، قال كرموا هذا الفريق (ويقصد مستشاريه) لأنهم هم من قادوني للنجاح....
كما أن من أسباب الفشل هو اختلافهم في كل شيء وعدم وجود رؤية واضحة المعالم لبناء الدولة والخروج بها من مشاكلها... فالمنطق يقول: لا اختلاف في وضع خطة لبناء دولة متطورة وقادرة على إسعاد شعبها لان ذلك يتعلق بمعايير ومبادئ علمية وحتى الاختلاف فيها يكون علميا وقابلا للحل...