باصٌ زهريُّ اللون بستائر جميلة يقف منتصباً في عشوائيات معسكر الرشيد يسمع المار بقربه الصيحات الرقيقة التي تُطلق من أركان مساحته الصغيرة، إذ تصخب الأجواء بأناشيد الأطفال وهم يؤدون تدريباتهم الرياضيَّة الصباحيَّة.
مجموعة من الأطفال بأعمار مختلفة قد تصل إلى الحادية عشرة، يعانون مع عائلاتهم من ظروف ماديَّة صعبة منعتهم من ارتياد المدارس الحكوميَّة، يحصلون اليوم على فرصة للتعلم مثل أقرانهم، بداخل "باص الأمل" التابع الى منظمة "بوابة العدالة".
تقول سارة صلاح وهي إحدى المعلمات المتطوعات للتعليم داخل الباص: "نطمح إلى مساعدة الأطفال وتحقيق أحلامهم البسيطة في تعلم القراءة والكتابة".
لكنَّ هذه المعلمة تواجه صعوبة كبيرة في إقناع الأهالي بإرسال أطفالهم للتعلم، فمنهم لا يستطيعون توفير المصاريف اليوميَّة، وبينما غيرهم يصرون على استمرار أبنائهم في العمل لمساعدتهم في المعيشة.
وتضيف سارة إنهم قد توصلوا إلى فكرة استغلال باص كبير، وتجهيزه بمقاعد للأطفال وطاولات وكذلك تزويده بكل الأجهزة والمعدات والأدوات التي تحتاجها القاعة الدراسيَّة بسبب ارتفاع عدد الأطفال المتسربين من الدراسة.
وتضيف "ورغم حصولنا من وزارة التربية على كتاب وموافقات لارتياد هؤلاء الصغار المدارس الرسميَّة رغم أعمارهم الكبيرة، إلا أنَّ حياتهم المعيشيَّة صعبة ولا تسمح لهم".
المشرفون على باص الأمل يحاولون توفير فرص دراسة للأطفال كافة، فهم يعمدون الى تغيير الجدول الدراسي اليومي، ليتوافق مع التلاميذ العاملين، كما هي الحال مع الطفل علي، الذي لم يتجاوز عمره الـ (١٠) أعوام، إذ اعتاد الخروج عند أذان الفجر مع والده لجمع قناني الماء والعلب البلاستيكيَّة من مكبات النفايات والقمامة، لغاية الساعة العاشرة صباحاً، بعد هذه الساعة فقط يسمح له الدوام بالباص أو المدرسة.
يقول علي إنه برغم العمل والتعب إلا أنه يشعر بفرح كبير، وهو يحمل حقيبته المدرسيَّة على ظهره ليلتحق مع رفاقه بالباص.
زينب التي تدرس الآن في الباص تشعر بسعادة كبيرة، وتقول إنها ستحقق حلمها في أنْ تُصبح مدرِّسة لأنها مهنة تمنح صاحبها قوة الشخصية وتقول، وهي تبتسم: "لا أريد أنْ أعمل في محل، مثل أمي، إنه عمل لا يأتي بأي ربح.. أريد أنْ أدرس وأنجح حتى أصبح قويَّة".