الطبق المقدس أو الغذاء والثقافة في الشرق الأوسط

ثقافة 2020/10/31
...

 يوسف محسن 
 
 
يتكون كتاب (الطبق المقدس السلوكيات الفئوية في الشرق الأوسط) للبروفيسور سامي زبيدة من عدد من البحوث والمقالات، تركز على مكونات الثقافة الشعبية في الشرق الأوسط، تتعلق بتراث المنطقة ونمط حياتها الثقافي وتقاليدها الشعبية. البروفيسور سامي زبيدة عالم الاجتماع يعمل أستاذا لعلم الاجتماع السياسي في كلية بيركبك، وتغطي كتاباته مواضيع الدين والاثنية والقومية والثقافة والسياسة في الشرق الأوسط. وابرز مؤلفاته، أنثروبولوجيات الإسلام والإسلام الدولة والمجتمع والقانون والقوة في العالم الإسلامي والثقافة الجماهيرية، الثقافة الشعبية والحياة الاجتماعية في الشرق الأوسط، العرق والتمييز العنصري، الأفكار والحركات السياسية في الشرق الأوسط.
 
تماثلات الشرق الاوسط
يشير زبيدة في البداية إلى التنوع الكبير في مجتمعات ولغات وثقافات الشرق الاوسط، ويرى أن(عددا من العناصر والثيمات المشتركة، او التماثلات الثقافية وشكل التنويعات تشكل ثيمات مشتركة، أوضحها وأسهلها، هي تلك التي تخص الثقافة المطبخية: المشاوي، المحاشي، يخنات لحم الغنم بالخضار، المعجنات الحلوة باللوز والفستق والشيوع اللافت للمعتقدات والطقوس المتعلقة بـ (العين الشريرة) أو الأفكار والشخصيات المشتركة في الميثولوجيا، كالخضر والإسكندر، فضلا عن ذلك شكلت الفلسفة واللاهوت والتصوف والشعر والموسيقى، في قسمها الأعظم، عوالم مشتركة للخطاب الذي شاركت فيه النخب المتعلمة في مختلف أنحاء الشرق الاوسط. وتمثل اللغة أهم عنصر من عناصر التماثلات الثقافية في تلك المنطقة، يستمر سامي زبيدة في سرد المشتركات الدينية في مجتمعات الشرق الاوسط، حيث يجري( تبجيل القديسين والأولياء، إذ تشكل قبور الأنبياء والمتصوفين البارزين، أو حتى بعض المعلمين الدينيين المحليين، مزارات مقدسة ذات أشخاص أو مؤسسات ترعاها وتديرها، ويعد أحد عناصر الثقافة الشعبية الأخرى المشتركة كثيرا في الميثولوجيا الدينية. إذ يظهر الخضر شخصية متكررة في الدين والميثولوجيا، ترتبط شخصية الخضر بالرحمة والإنقاذ، فهو يتشفع للناس الذين يواجهون خطرا وينقذهم). 
 
المطبخ العراقي
وبين زبيدة (أن الثقافة الشعبية في الشرق الأوسط ثقافة توفيقية متعددة اللغات، ويتراوح تأثير الدين في هذه الثقافة، لكنها قلما تكون أرثوذكسية تجاه أي من الأديان الاخرى، سواء كانت خاصة بالإسلام أو المسيحية أو اليهودية، اي الأديان الابراهيمية الكبرى) يرى زبيدة أن تعدد ثقافات الشرق الأوسط الحديث، بضمنها الطعام، موروثات للتداخلات التي حدثت نتيجة تعاقب الإمبراطوريات، التي كان أهمها الدولة العثمانية (1299- 1923). وكان السكان موجودين في الكثير من أراضي الإمبراطورية، وكانت الثقافات متداخلة، ويشمل ذلك تداخل الطعام. واخضع تنوع ثقافة الطهو في الشرق الأوسط إلى العولمة، حاملا معه تأثيرا خاصا، ومن ثم ينتقل الى ثقافة المطبخ العراقية التي تعد أقدم من كل ما حوله، والعراق منذ الأصل غني بسلته الغذائية، وكل ما يجري تصويره بأنه تركي او ايراني او سوري، ما هو في الواقع سوى تقليد صغير لثقافة المطبخ العراقي، وتوجد مصادر كبيرة جدا بهذا الصدد جرى وضع أصولها والتأليف فيها منذ القرن الثالث الهجري فما فوق، أي قبل ظهور الأتراك العثمانيين بألف سنة. ثم إن أصول الأتراك بدوية بحتة، على عكس العراق فهو منطقة حضرية وامبراطورية، ويعود اصول المطبخ العراقي أو مطبخ بلاد ما بين النهرين إلى السومريين والأكاديين والبابليين والآشوريين. حيث أن بعضاً من الألواح التي وجدت في الآثار القديمة في العراق تظهر وصفات لتحضير الطعام الذي كان يعد في المعابد أثناء الأعياد الدينية وتعتبر هذه الألواح من كتب الطبخ الأولى في العالم العراق القديم، ومتقدمة في جميع ميادين فنون الطهي، اذن الغذاء العراقي يعكس هذا الميراث الغني من عدد كبير من المؤلفات التي أنجزها علماء وكتاب عراقيين، فضلا عن أطعمة مرتبطة بالروح الالهية، والطقوس الدينية والاعياد والمناسبات.