تطرف ثقافي

ثقافة 2020/10/31
...

حميد المختار
 
ما زالت نارُ الجدلِ والقطيعة مستعرة بين فرنسا والعالم الإسلامي؛ بسبب رسوم الكاريكاتير المسيئة للنبي محمد صلّ الله عليه وآله. هذه الرّسوم التي بدأت مسيرتها المشينة منذ عام 2005 حين نشرتها صحيفة «يولاندس بوستن»
 الدنماركية ثُمَّ نشرتها مجلة شارلي ايبدو عام 2006، حيث تُظهر النبي العظيم يعتمر قنبلةً بدلاً من العمامةِ مسلحاً بسكين ومحاطاً بامرأتينِ مُنَقّبتينِ.
ثُمَّ اصرار هذه المجلة على تكرار نشر تلك الصورة البائسة لِتُظْهرَ شخصية رسولنا الكريم بهذه الصورة الكريهة، محاولين تغيير صورة الرَّجُل الذي زكَّتْهُ السماءَ حين قالت: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)..( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) صدق الله العظيم. يُظهرونه على غرارِ بن لادن الإرهابي الدموي او الزَّرْقاوي بعد ذلك يُصرُّ الرئيسُ الفرنسي ماكرون قائلاً: (إنَّ بلادَهُ لن تتخلى عن نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للإسلام والنبي الكريم)، معتبراً أنَّ ذلك يندرجُ تحتَ يافطة حرية التعبير. الغضبُ العارم الذي يسود البلدان الإسلامية والتلويح بالمقاطعة الاقتصادية والثّقافية والغاء تعليم اللغة الفرنسية في المدارس والجامعات المغاربية، وضع فرنسا أمام الأمر الواقع ممّا حَدا بعقلائها من مفكرين وفنانين ومثقفين، أنْ يعلوا بأصواتهم ضدَّ ما ذهب اليه ماكرون وجماعة مجلة «شارلي ايبدو» التي رفعت لواء التَّطرف الثقافي والحقد الأسود ضد الثوابت المقدسة للأديان وخصوصاً الدين الإسلامي ونبيِّه الكريم. الفيلسوف الفرنسي «ميشيل أونفراي» المعروف بإلحاده يصرّح عبر مناظرة تلفازية قائلاً: (المسلمون يعطوننا درساً؛ وهم محقون وهؤلاء الناس لهم أخلاقيات الشرف ونحن فقدنا معنى الشرف، ويضيف إنًّ الإسلام يقدم نظاماً متحرراً من المادية وأنَّ المسلمين يعلِّموننا درساً في مناهضة المادية، لأنّه مهما قلنا فإنَّ المسلمين أُناسٌ لهم مُثلٌ عُليا وهم يحملون روحانيات آداب ويحملون ضوابط أخلاقية وقيماً).
أما الفنان الفرنسي الكبير «جيرارد ديبارديو» فقد اعتذر للمسلمين في تصريحات أدلى بها في لقاءاتٍ مُتلفزة، متسائلاً عن السبب وراء الإساءة للمسلمين قائلاً: (ماذا فعل المسلمون حتى نشتمهم، ماذا لو احترمنا دينهم ولم نتدخَّل في عقيدتهم؟!). أعلم أنَّ رئيسَ جمهوريتنا هو مُثْلي الجِنْسْ ومع ذلك لم يتعرض له أحدٌ وهو يفتقر الى الخبرة وسيقودنا إلى الهاوية، ثُمَّ يختم قولَهُ تحياتي إلى أبناء بلدي وللمجتمع المسلم بأَسرِهِ وأعتذر عن الإهانة والازدراء ولْنَعِشْ معاً في سلام)، وحين اعترَضَتْ تركيا ورئيسُها أردوغان ثارت ثائرة المتطرفين الفرنسيين وأعادوا نشر الصور المسيئة ولكن هذه المرة أظهروا أردوغان بملابسه الداخلية رافعاً ثوبَ إمرأة مُنقَّبَة ممّا زادَ من سعير النارِ على حطب القطيعة بينَ فرنسا والعالم الإسلامي في أنحاء المعمورةِ. إنَّ التّطرفَ الثقافي في نتيجتهِ سَيُنْتِج تطرفاً دينياً وعِرْقِياً وهذا ما حدث، ممّا أثارَ حفيظة مليار ونصف المليار مسلم حول العالم. أعتقد في النهاية انَّ كل هذا حدث نتيجة استخذاء وانبطاح الحكومات العربية والإسلامية ولهاثها خلفَ التَّطْبيع مع اسرائيل، وضعفها المستشري وعمالتها فقدّمت بذلك صورة المسؤول الخانع والخائن لقضايا بلده ودينه؛ فكيف لا يُسيء الغرب لديننا الحنيف ولنبيِّنا الأَكْرَم العظيم مُحمَّد صلَّى الله عليه وآلهِ وسلَّم.
وسؤالي الأخير لماكرون: هل تستطيع ان تشكك بالهولوكوست تحت يافطة حرية الرأي، أم أنَّ صورة (روجيه غارودي) ما زالت ماثلةً أمامَ عينيك حين شكَّكَ بالمحرقة اليهودية وحوكِمَ في فرنسا بلد الحرّيات والديمقراطيات والثقافة؟! 
إنَّهُ مُجَرَّدُ سُؤال