التواصل مع الأطفال بشأن الأخبار.. فرصة ذهبيَّة للآباء

اسرة ومجتمع 2020/11/01
...

  نهى الصراف
هناك الكثير من الأخبار السيئة التي تحيط بوجه عالم اليوم؛ التداعيات الاقتصادية، الفوضى السياسية، المناخ الغاضب وطبعاً الوباء، فكيف يا ترى هو وقع هذه التركيبة الغريبة من القتامة على نفوس الصغار الرقيقة؟
يعيش الطفل في هذا العالم المتناقض الذي يتوافر فيه كل شيء تقريباً عدا الأمان، يعيش في خوف وقلق تحيطه الشكوك من جدوى هذا الوجود، تتمثل ردود أفعاله على كل هذا بأنه صار يتمرد على المدرسة وقوانينها الصارمة، يتمرد على الحدود التي يضعها الآباء في استخدامه اليومي للمنتجات التقنية، يتمرد على تكرار نوع الطعام في أطباقه اليومية، يتمرد على الملابس التي تضيق على صدره.
هذا أمر مفهوم بالطبع، فالطفل كائن يشبهنا ولدَ حراً عدا أنه لم تمرّ عليه بعد قيود العمر والتجارب والأخطاء التي صقلت شخصياتنا وألزمتنا بالخضوع للقواعد بملء إرادتنا خوفاً من تكرار الأخطاء. لذلك، تقع على عاتقنا مسؤولية تجنيبه المرور بهذه التجارب قدر الإمكان، لكننا في المقابل، لا نستطيع أنْ نتحفظ عليه في قوقعة المنزل ونمنعه من التعرض للمحيط الخارجي، هذا المحيط التي تتلاطم فيه حكايات أمراض العالم المزمنة.
 
أسلوب المصارحة
يقع العديد من الآباء في الخطأ ذاته؛ الفرضية المسبّقة التي تقول بأن الطفل لا يمكن أن يتمتع بالوعي الكافي لتأويل ما يراه أو يسمع به من أخبار، لذلك يتجنب الأهل أسلوب المصارحة والحديث المباشر عن تداعيات هذه الأخبار والأحداث التي تكمن وراء جدران المنزل الحصينة، فيُترك الطفل حينئذ لرحمة الأقران ووسائل الإعلام التي ينشر بعضها أخباراً مضللة أو مشوشة في أفضل الحالات، فضلاً عن مصادر غير موثوقة قد يجدونها بسهولة متاحة لهم في مواقع التواصل الاجتماعي. فما هو الأكثر ضرراً؟، ترك الطفل لعواصف العالم الخارجي لتؤرجح مسلماته وتقوض استقراره النفسي؟، أم تبني خيار المواجهة مع كل ما يتطلبه من صبر وأسلوب تربوي في إيصال الفكرة مهما بلغت قسوتها؟
تؤكد د. جينيفر إي.لانسفورد؛ أستاذة وباحثة أميركية متخصصة في علم النفس التنموي من جامعة ميتشيغان، أنَّ «الأطفال يشكلون ردود أفعالهم العاطفية من خلال محاكاة ردود أفعال الأبوين على الأحداث، لذلك فإنَّ التواصل مع الأطفال ينبغي أنْ يأخذ في الحسبان التعاطف مع أولئك الناس الذين تأثروا سلباً بحدث مأساوي ما، لكن ليس بشكلٍ مبالغٍ فيه، لأنَّ الأخبار بطبيعتها غالباً ما تميل إلى التضخيم والتهويل الأمر الذي يشكل ضغطاَ نفسياً على الطفل، إذ يتمثل دور الوالدين في تخفيف هذا الأثر المزعج للحفاظ على بيئة آمنة وسليمة داخل المنزل، كما يتوجب عليهم أنْ يمهدوا الطريق للأطفال والمراهقين ليتمكنوا من طرح أسئلتهم ومخاوفهم وأنْ يحاولوا الاستجابة لهذه المخاوف بطريقة تتناسب مع المرحلة العمريَّة والتنموية لأبنائهم، باستخدام لغة ومفاهيم بطريقة مبسطة وواضحة يستطيع أنْ يفهمها الصغار. لذلك، فإنَّ الأطفال في سن صغيرة وتحديداً في سن ما قبل المدرسة يكونون أكثر هشاشة عاطفياً، وهم حين يشاهدون صوراً مزعجاً أو يسمعون بأحداث مخيفة قد يصيبهم القلق بشأن سلامتهم الشخصية، لذلك ينبغي تطمينهم بصورة مباشرة بأنَّ هذه الأحداث إنما هي في الواقع بعيدة عنهم - إذا كان الأمر كذلك طبعاً- وبأن هناك من هو مهتم بمعالجة الأمور ومساعدة الضحايا فالشعور بالأمان والثقة مهمان للطفل ليستعيد توازنه النفسي والانفعالي، يتعزز هذا الشعور بمدى ثقتهم بالكبار وإيمانهم بأنَّ الأمور المزعجة قابلة للحل مع مرور الوقت في إشارة إلى الحماية التي يوفرها وجودهم في المنزل مع الوالدين».
وتضيف «الأهم من ذلك، يجب أنْ يتوخى الأهل الحذر عند الإجابة على أسئلة الطفل على أنْ تكون صادقة تماماً مهما كانت طبيعة الحقائق التي يتداولونها، هذا الأمر يسري بصورة خاصة مع الأطفال الأكبر سناً فمحاولة تزويق الأحداث أو الكذب بداعي حماية مشاعر الطفل ليس بالخيار الجيد، الكذب من شأنه أنْ يقوض أساسات الثقة بين الأبوين والطفل وبالتالي قد يبعده ذلك عن التصديق على كلامهما باعتبارهما مصدراً موثوقاً للأخبار».
 
فرصة للآباء
من جانب آخر، يعد التواصل مع الأطفال حول الأخبار فرصة للآباء لمشاركة قيمهم ورؤيتهم للعالم معهم، حيث يتبنى معظم الأطفال الآراء السياسيَّة والقيم الدينية ووجهات النظر العالمية لوالديهم، ويرجع ذلك في جزءٍ كبير منه إلى أنَّ الأطفال يحبون والديهم ويعجبون بهما.
أما بالنسبة للمراهقين، فتقول لانسفورد: «يمكن للوالدين بشكل متزايد استخدام الأحداث في الأخبار كنقطة انطلاق لبدء المناقشات حول القضايا السياسية والأحداث العالمية المهمة. من الناحية المعرفية ، يستطيع المراهقون التفكير بشكل أكثر تجريداً من الأطفال الأصغر سناً، وغالباً ما يتم تحفيز المراهقين على اتخاذ إجراءات للعمل من أجل التغيير، فإذا صورت الأخبار حدثاً قد يستفيد من استجابة مباشرة، يمكن للوالدين تسهيل مشاركة المراهقين في جهود الإغاثة التطوعية، مثل التعبئة والتغليف وإرسال الإمدادات إلى المجتمعات المحتاجة في أعقاب كارثة طبيعيَّة».