علوان السلمان
الإبداع الشعري.. فعل وغاية قائمة بذاتها يخوض غمارها منتج قلق من الداخل ليعلن موقفا ويسجل حضورا متجاوزا للمألوف بلغة ايحائية تكشف عن انتمائها الى مساحة الابداع.. فضلا عن انفتاحه بمستويات متفاوتة يعتمدها منتج واعٍ لاشتغالاته الشعرية ابتداءً من الفكرة ومرورا باللغة الخالقة للصور العاكسة لأحداث الواقع المكتظة بالصراعات لإثارة وعي المستهلك (المتلقي).. والشاعر عبدالاله منشد الخليفة في شعريته التي توزعت عوالمها ما بين النص والنص القصير جدا (الصوري الوامض).. واسهم اتحاد الادباء والكتاب في ميسان في نشرها وانتشارها/ 2020.. بعد طباعتها في مطبعة أشرف وخلدون.. كونها اعتمدت بناء قائما على مرتكزين اساسيين: اولهما المرتكز السردي الشعري الجاذب بألفاظه الموحية. وثانيهما التعبير الذاتي بلغة يومية وألفاظ بعيدة عن الضبابية والغموض.. مع اتسامها بعمق الايقاع وتتابع الصور وتداخلها برؤية إبداعية متناغمة الرؤى.. متفاعلة في أنساق مكتظة بالحيوية وسياق حسي متواصل مع الحياة والواقع بكل موجوداته مبنى ومعنى: (أفيقي يا جموع من السبات/ فقد حانت معاقبة الطـــــغاة/ وسدي كل نافذة عليهم فقد سـدوا علينا النافـذات/ فيا شعب العراق عليك صبرا/ كـصبر الانبياء على الأذاة/ ويا شعب العراق وعيت وعيا بصيرا في الليالي الحالكات/ ويا شعب العراق فديت فديا ملايين النفوس الصالـحات/ كذا الارواح ان لم تبن جسرا فلا عبرت ملايين الحفاة/ فما طعم الحياة بغير عز سوى موت على قيد الحـياة).
النص محفز بصوره الدينامية بجمالية محققة للمتعة الروحية والمنفعة الفكرية المتصفة بالحكمة مع اقتصاد لغوي واختزال تركيبي معبر عن رؤية جدلية للوجود والاشياء.. عبر صور موسومة بمشاهد معبرة عن الحالة الانسانية وعمقها النفسي. فضلاً عن خلقها لموقف يطرح فكرا متمردا بوعي.. ويكثف تجربة بلغة تحمل الموروث وفصاحته بقدرة منتجه (الشاعر) ورؤيته الشعرية المتصلة بطبيعة تكوينه الفكري.. لذا فهو يتفاعل مع واقعه المجتمعي بكل موجوداته عبر توظيف ضمير الغائب ليجعل من المستهلك (المتلقي) حاضرا بوجده ووجوده.. ودخوله سيكولوجية التواصل (بوصفها خطابا غنيا بالدلالة).. فضلا عن توظيفه تقنيات فنية وأسلوبية كالنداء الحركة الزمنية المتراكمة بتأثير الصور في وجدان المنتج (الشاعر) تراكما كثيفا مترابط الوحدات وهو يعتمد النمو الزمني. والتكرار اللفظي الدال على التوكيد الذي اضفى على النص موسقة مضافة. وهناك الاستعارة والجناس والتشبيه: (وأفنيتُ فيكِ ما بنفسي من الهوى/ فهل انتِ أفنيتِ لــــــما كنتُ فانيا؟، كذبتِ وربي/ ما رايتُك هكذا فما بكِ/ لم يبلغ جزيئات ما بيا، اذا نمتُ لم أغفُ/ وان كنتَ ناعسا وان فقتُ لم اصحُ/ وان كنتُ صاحيا، نسيتُ جمـيع الكائناتْ/ كأنني عميتُ فلم أبصر سـواكِ بعينيا).
الشاعر يعتمد السردية الشعرية ليجعل منها حيز التنامي التصويري لحركة الجسد برؤى تكثيفية واختزال جملي لخلق مشاهده الايحائية باعتماد الحوار الذاتي المنولوجي بنسق درامي وصور موسومة برومانسية شفيفة معبرة عن الذات وما يختمر في عمقها النفسي نتيجة سيطرة المؤثرات الخارجية التي أسهمت في بلورة الفكرة والاستغراق في عوالمها التي اندمجت بوجدانه وحضرت في صوره الشعرية المكتنزة بمضامينها النفسية والاجتماعية والعاطفية التي تتفاعل ومنظومة القيم الجمالية.. ودلالاتها بلغة تمتلك مؤثرها الجمالي.. (إنّا التقينا وإن كنا على بعد وقد بعـدنا وإنّا كنا جيرانا، عيناي تفضح أحيانا علاقتنا والحب تفضحه العينان أحيانا).
النص هنا ينتمي الى الومضة الشعرية (نص الصورة. الوسيلة المعبرة عن الشعور او الفكرة في أبسط معانيها).. باعتماده نظام الشطرين (الصدر والعجز) والقافية الموحدة.. وهو يقتنص اللحظة الشعرية مع قيامه على منتهى الايجاز والاختصار والتكثيف وقوة الايحاء والغنائية الذاتية التي تعبر عن حالة شعورية غير متشظية.. مرتكز في عمق الفكرة.. فضلا عن ان النص يعتمد البنية الحكائية مع تعامل والمكان البؤرة الثقافية المؤثرة والمتأثرة.. مع هيمنة الانا والتشكيل الفني ببناء النص مبنى ومعنى.. فضلا عن الاختزال الجملي والتكثيف الشعري واقتناص اللحظة الشاعرية والتعبير عنها بعيدا عن الاستطراد الوصفي لخلق نص تتوافر فيه وحدة الموضوع القائم على تناسق بنائي وتتماثل فيه (المساحة بمساحة الانفعال.. وحجم الصوت الشعري بحجم هواجس الشاعر) على حد تعبير نزار قباني.
" ينهض الفجر يصلي ركعتين كان لا يعرف غير الله في الكون وغير المئذنة، لم يسافر الا يوم الاربعاء كان انسانا بسيطا.. عاملا في مطحنة يطحن الايام واللآلات كانت تطحنه، كان في الماضي صديقي غير أني قد نسيت الاصدقاء، هو في الزنزانة الاولى سجين، مرةً صادفته عند الممر قال لي: هذا أنا.. رحمة الله عليه مات بالتعذيب من قبل سنين".
فالنص شكل من اشكال الحكاية المعتمدة الانزياح الشعري الناجم عن موقف يباغت المستهلك (المتلقي) بصوره التي تكشف عن عمق دلالي.. يجعل من اللغة فكرا والمرئي متخيلا.. فضلا عن اعتماده الرمز والنزعة البلاغية وأساليبها مع وحدة موضوعية تلملم وحدات النص التي خلقت خطاب الذات ومناخاتها من أجل اتزانها والوجود الموضوعي. وبذلك قدم الشاعر نصوصا متخلقة لصورها ومتميزة بلغتها وايقاعاتها (الداخلية والخارجية) مع بنية تستفز اللحظة الشعورية وتؤطرها..