عنوان المقال يُحيل القارئ الى نسق ديني، فسبحان المعبود تقال في تبجيل الخالق، ولعل كلمة (المعبود) يُراد بها الاستغراق في التعبّد لا في الخلق فحسب؛ وهي من الشائع المتداول حواريا، ولعلها من الاستطراد في الحديث فتأتي تلقائيا في حمد الخالق والتسبيح بحمده. الى هنا، الأمر طبيعي جدا؛ و (سبحان المعبود) ليست من الشعر في شيء؛ لكننا مهما تطور النقد لدينا، ومهما تعددت الفنون البلاغية والأسلوبية، والاستعارات والتشبيهات، يجد النقد نفسه - أحيانا - مكتوف الكلام حين تتحول ألفاظ عبادية او كلمات متداولة الى صورة شعرية. هذا ما فعله صاحب المنطقة الشعرية الخاصة به، ذلك الذي اكتشف له منطقة خاصة به في جغرافية الشعر ودخلها وأغلق الباب على نفسه ورمى المفتاح بعيدا، ليترك الآخرين يحومون حول سياجها وكلما اقتربوا منها اتهموا بأنهم (نزاريون).
وإذن، هو نزار قباني، والقصيدة هي (قارئة الفنجان) التي ألبسها ثوب الغزل ببراعة وهي البعيدة عن الغزل بُعدَ البلدان العربية عن الاستقرار! ولأني بصدد مقال محدد بعدد الكلمات وليس بحثا واسعاً رأيت أن أقف عند (سبحان المعبود) فقط؛ ترى ما لون عينيها؟ وما شكلهما؟ وما يميزهما؟ كلها اختصرها نزار بما يقال على ألسنة العامة من الناس فقال سبحان المعبود ليترك الوصف للقارئ مفتوحا على كل مديات الجمال.
لم تكن (سبحان المعبود) صفةً ولا هي بالاستعارة، وهي ليست تشبيها، ولا مجازاً؛ لكنها كل ذلك من دون الحاجة الى كل ذلك؛ وهو الأمر الذي يرمي النقد الأدبي في أقسى زوايا الحيرة المحرجة، وليس له أن يجيب على ذلك، لأن التعبير جاء طقوسيا شائعا متداولا، ولو قيل في غير هذا السياق لمرّ عابرا من دون أية وقفة؛ وأحسبه مرّ عابرا ولم يقف عنده غير كاتب هذه السطور.
تطرقت في مقال سابق الى العلاقة بين العامية والفصحى، وعلى الرغم من فصاحة توظيف نزار قباني إلا أن ما وظفه جرى مجرى العامي بسبب كثرة تداوله شعبيا من دون الحاجة للمجيء به في سياق كلام كله فصيح؛ ولولا اضطرار نزار بسبب القافية لقال سبحان الله او سبحان الخالق. هنا يتدخل النقد الثقافي ليفكك الأزمة، فالشاعر حقق عقدا ثقافيا مع المتلقي حين اقترب من كلامه اليومي من دون الهبوط شعريا الى مستوى الكلام العادي. لأن الشاعر سرعان ما تخلص من عينيها وذهب الى تفاصيلها الأخرى (بحياتك يا ولدي امرأة عيناها سبحان المعبـــود.. فمهــا مـرسـوم كـالعنقود).