الانتخابات الأميركية وخيار فلوريدا

آراء 2020/11/01
...

 جواد علي كسار  
ما الذي حصل في فلوريدا حتى يحذّر الجميع من تكرار ما وقع فيها؟ حصل ذلك في انتخابات الرئاسة عام 2000م، وهي الانتخابات التي تنافس فيها المرشّح الجمهوري جورج بوش الابن والديموقراطي آلبرت آلغور، وانتهت في يوم الثلاثاء 7 تشرين الثاني، بتقدّم آلغور على غريمه الجمهوري بوش بالتصويت الشعبي، حين سجّلت النتائج (999 % 50) مليون صوت لآلغور، مقابل (456 ٪ 50) مليون صوت لبوش، ما كان يعني تقدّم آلغور على بوش بما يزيد على نصف مليون صوت، أو على وجه الدقّة (543) ألف صوت!
لكن مع ذلك نعرف جميعاً أن بوش الابن هو من أصبح رئيساً للولايات المتحدة، وخسر آلغور الرئاسة رغم فوزه بالتصويت الشعبي، فما هي ملابسات ذلك؟ التصويت الشعبي لا قيمة له في انتخابات الرئاسة الاميركية، لأنّ المدار والمعيار هو أصوات المجمع الانتخابي، المكوّن الآن من (538) صوتاً موزّعة بين الولايات، بواقع عدد ممثليها في مجلسيّ الشيوخ والنوّاب، إضافة إلى (3) أصوات للعاصمة واشنطن، مع أنها ليست ولاية بحسب التصنيف الإداري، ومن ثمّ فإنّ المرشح بحاجة إلى الأغلبية البسيطة من أصوات المندوبين في المجمع، البالغة (270) صوتاً لكي يكون رئيساً، بصرف النظر عمّا جناه من أصوات شعبية.
ما حصل في انتخابات 2000م أن المرشحين كليهما بوش وآلغور، عجزاً عن بلوغ الرقم المطلوب في المجمّع الانتخابي، أي (270) صوتاً، وصارا بحاجة إلى مرجّح، فكانت ولاية فلوريدا هي بيضة القبان. لقد كان لفوريدا يومذاك (25) صوتاً في مجمع الانتخابي، هي مجموع عضوين لها في مجلس الشيوخ، و(23) نائباً في مجلس النوّاب، ومن يكسب أصوات فلوريدا فسيكون هو الرئيس، وفلوريدا للعلم كانت ولا تزال تصنّف في ظلّ اللون البنفسجي، ومن ثمّ فهي تدخل في عداد الولايات المتأرجحة، التي لها الكلمة الفصل في حسم الرئاسيات الاميركية، وهذا ما يفسّر التنافس الشديد عليها الآن، بين ترامب وبايدن.
وبذلك كان على المرشحين بوش وآلغور أن يحصدا الأصوات الـ(25) لفلوريدا، لكي يأخذ أحدهما سبيله إلى البيت الأبيض. والطريق للفوز بهذه الأصوات يمرّ عبر الحصول على الأغلبية البسيطة من الأصوات الشعبية في الولاية، وذلك استناداً إلى قاعدة «من يفوز بالأغلبية الشعبية يحصد جميع أصوات المجمع الانتخابي»، وهي القاعدة التي تعمل بموجبها أغلبية الولايات الخمسين في أميركا.
انتقلت المعركة إلى الأصوات الشعبية، عندما لوحظ أن الفرز الآلي لأصوات الناخبين لم يكن دقيقاً، فقد تعذّر قراءة بعض أوراق الاقتراع، لأن ماكينات الثقب لم تعمل على نحو جيّد، ما سبّب إهمال هذه البطاقات. على هذه الخلفية طالب آلغور بإعادة فرز الأصوات في هذه الدوائر، بأسلوب الفرز اليدوي، وهو ما رفضه بوش الذي طالب هو أيضاً بإعادة الفرز، لكن من خلال آلات الفرز، وكانت حجته في ذلك معتبرة، عندما ذكر هو وفريقه، أن آلات الفرز هي وسيلة محايدة بطبعها، وهامش الخطأ والانحياز فيها قليل جداً بل منعدم، على عكس الفرز اليدوي، وبذلك اتفق المرشحان على مبدأ إعادة الفرز في بعض دوائر فلوريدا، ثم اختلافاً في نظام الفرز 
وكيفيته.
بعد أقل من شهرين من الخلاف المستدام بين المرشحَيْن، حسمت المحكمة العليا الموقف، بفرض معيارٍ متساوٍ لإعادة الفرز، يحفظ للطرفين حقّهما، عندما رفضت إعادة الفرز اليدوي، وصوتت للآلي، فجاءت النتائج بتقدم ضئيل جداً لأصوات بوش الشعبية في فلوريدا، على غريمه الديمقراطي آلغور إذ قيل أن المرشح الجمهوري تقدّم على آلغور بـ(25) صوتاً شعبياً فقط، وقيل بـ(110) أصوات، كما قيل بـ(125) صوتاً شعبياً وهكذا.
العبرة أن آلغور المتقدم بأكثر من نصف مليون صوت شعبي في كلّ الولايات المتحدة، خسر معركة الرئاسة بخسارة أصوات فلوريدا في المجمع الانتخابي، وبقرار من المحكمة العليا التي أعلنت جورج بوش الابن الرئيس الثالث والأربعين للولايات المتحدة، حتى قيل في الأدبيات الاميركية، أن بوش هو أوّل رئيس أميركي تُعيّنه المحكمة
 العليا!
هذه التداعيات الناشئة عن ازدواج النظام الانتخابي الأميركي، وتوزّع التصويت بين الإلكتروني والبريدي والمباشر، وإقحام المحكمة العليا؛ تكوّن مجتمعة ما بات يُطلق عليه خيار فلوريدا، وهو واحد من الخيارات المحتملة في الانتخابات الحالية، لجهة حسم هوية الرئيس الجديد؛ أو الرئيس السادس والأربعين لأميركا!