فيبر وماركس او مفاتيح فهم العالم فلسفياً

ثقافة 2020/11/02
...

  يوسف محسن 

 
 
 
ما يجمع بيــــن ماركس (1818 – 1883) وفيبر (1864 – 1920) كونهما انتاج الحقل الثقافي الالماني، ولكنهما يختلفان في فهم العالم والمجتمع والتاريخ، ماركس يركز على مسارين لفهم حركة التاريخ، أحدهما مسار تطور أحادي برز في كتابه (الأيدولوجيا الألمانية) يتعلق بـ سيرورة مبدأ تقسيم العمل وأنماط الإنتاج والآخر مسار تطور تعددي برز في كتابه (راس المال) يتتبع مشكلات الملكية الخاصة في المجتمعات المختلفة. في حين فيبر يبين على أن دوافع الإنسان لا يمكن اختزالها بالعامل الاقتصادي بمنأى عن العقائد والقيم والتقاليد، ويشكل كتابه (روح الرأسمالية والأخلاق البروتستانتية) أحد المصادر الكلاسيكية في فهم التاريخ البشري، حيث يوضح طبيعة العلاقة بين الدين والرأسمالية التي اتخذت مسارين: أحدهما في بيان المساهمة الإيجابية للمسيحية، خصوصًا البروتستانتية في ظهور الرأسمالية، والآخر: في الكشف عن العوائق التي أخرت ظهوره الرأسمالية في مجتمعات الديانات الأخرى، ليكتشف التأثير التفاعلي المتبادل بينهما، فلولا تعاليم العقيدة الكالفينية الداعية إلى العمل والكسب لما تطورت الرأسمالية كمنظومة اقتصادية فعالة كما يطرح في (روح الراسمالية) .
 
الاستلاب والعقلنة
أحدث اصدارات المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات كتاب (ماكس فيبر وكارل ماركس) لكارل لويث من ترجمة عبد الله حداد، الكتاب يدمج ماكس فيبر وكارل ماركس ضمن التفسيرات الحديثة عن الاستلاب/ الاغتراب والعقلنة، ويعالج أوجه الاختلاف والشبه بين ماركس وفيبر في التفسير والتأويل والمنهج وبوصفهم اداتين فلسفية لفهم العالم الثقافي والاقتصادي والسياسي للعالم المعاصر. 
في الفصل الأول يقارن لويث بين فيبر وماركس، يقول: (مقارنة كهذه تعتمد على ثلاث فرضيات مسبقة. تفترض أولًا، أن ماركس وفيبر قابِلان للمقارنة على مستوى الشخصية والإنجاز، ثانيا إن المقارنة بين شيئين تفترض أن مواضع المقارنة متماثلة في جوانب معينة ومختلفة في جوانب أخرى. ثالثا، إن مقارنتنا بين الاثنين تفترض أن أهداف بحوث كل منهما تختلف مع اختلاف فكرتهما عن الإنسان). الحافز الأساس خلف التحريات الثقافية والتاريخية للمؤلف الاستكشاف المباشر للواقع المعاصر، مع توجه نحو احتمال التدخل في السياسة. جمع كل منهما بين الكاريزما والمهارات الفكرية وهي مزيج من الممارسة النظرية والنظرية العملية في الوقت عينه.
 
العالم البرجوازي
يتناول لويث، في الفصل الثاني، (تفسير فيبر للعالم البرجوازي - الرأسمالي استنادًا إلى العقلنة)، نقطة الانطلاق في بحوث فيبر، وهي أن (علم الاجتماع الذي ننشده هو علم الواقع. نريده أن يتضمن بصفته تلك واقع الحياة المحيطة بنا، والتي نعيشها، أي ترابط ظواهرها الفردية في شكلها المعاصر، ومعناها الثقافي، كما أسباب تطورها بالطريقة التي حصلت. إذا، فإن الغاية من التحقيق التاريخي ليست الكشف عن كيف كان الواقع، أو كيف يجب أن يكون بسبب الضرورة التاريخية كما لدى ماركس. حري بالتحقيق التاريخي أن يجعل ما نحن عليه اليوم شيئا مفهوما. الرأسمالية هي بالتأكيد أحد العوامل، وأبرزها، في تاريخ الحاضر هذا، الذي يشكل مجرد مقطع في مسار المصير البشري).
يتناول لويث العقلنة بوصفها التعبير الإشكالي عن عالمنا الحديث، وبوصفها أيضًا القدرة على المسؤولية الفردية وسط التبعية الشاملة. ففيبر يرى العقلانية بمنزلة كلية أصيلة كلية موقف من الحياة وأسلوب حياة مرتبطة بشروط سببية متفرقة، لكنها تبقى فريدة (الروح العامة للجماعة الغربية).
الاغتراب الذاتي
أما في الفصل الثالث، (تفسير ماركس للعالم البرجوازي - الرأسمالي استنادًا إلى مفهوم الاستلاب الذاتي للإنسان)، فيقول لويث إن الاغتراب الذاتي لا يشكل الموضوع المميز في التحليل الماركسي للعالم الرأسمالي البرجوازي. فما يميِزه هو تشريحه وبنيته الهيكلية أي اقتصاده السياسي، وهو تعبير يجمع في وحدة ديالكتيكية بين الواقع الاقتصادي والوعي. ولا يعني التركيز على تشريح المجتمع البرجوازي أول وهلة أكثر من نقل التركيز من المجتمع البرجوازي لدى هيغل نحو منظومة الحاجات في حد ذاتها. أما السلعة لدى ماركس فلا تعني شيئا أو غرضا بعينه، بل تختزن الطابع الوجودي الأساس لجميع أشيائنا أي شكلها السلعي. هذا الشكل أو البنية السلعية توصِف استلاب الأشياء والفردية البشرية على حد سواء. لذا، يبتدئ رأس المال بتحليل السلعة.
 
نقد وحوار نظريات 
في الفصل الرابع (نقد فيبر للتطور المادي للتاريخ) إن الأطروحة الروحانية القائلة إن التاريخ البشري، بما فيه من حوادث سياسية واقتصادية، يعكس في التحليل الأخير صراعات ثقافية فحسب، والمطلوب من ثم تفسيره بطريقة أحادية وغير ملتبسة (لا بناءه على عدد من الحلقات السببية المتقاطعة)، هي أطروحة بحسب فيبر غير قابلة تجريبيا للبرهان أو للنقاش، بعكس الأطروحة المادية (تعارضه معها هو في محتواها فحسب، وليس في منهجيتها) التي تؤكد أن الصراعات الاقتصادية هي في التحليل الأخير العامل الحاسم في التاريخ البشري.