المدرسة السعيدية وخطاب ما بعد الكولونيالية

ثقافة 2020/11/03
...

  احمد داخل
 سبعة عشر عاما بالتحديد مرت على رحيل المفكر الكوني ادوارد سعيد. ذلك المثقف الإشكالية الذي اصطف ضده المحافظون في الشرق والغرب على حد سواء، وأيده ودافع عنه اليساريون في الشرق والغرب 
أيضا.. 
لم يكن سعيد يهتم بالدراسات السياسية قبل عام 1967، ذلك التاريخ الذي نعته العرب بالنكبة. 
فقبل هذا التاريخ كان ادوارد سعيد منشغلا بالدراسات الأدبية والنقد والموسيقى، لكنه بعد هذا التاريخ أنجز كتابا مهما عن الاستشراق في عام 1978 الذي عده المعادون للحضارة الغربية بالإنجيل السياسي، كون سعيد أعاد النظر بالنصوص الاستشراقية التي قيلت في الشرق عامة والعرب بخاصة. 
فالاستشراق الذي عرفه سعيد هو: أسلوب من التفكير قائم على تمييز معرفي ووجودي بين الشرق والغرب. بمعنى، هو نظام من القول له قواعده وقدرته على إنتاج المعرفة، واستثمارها في الهيمنة على الآخر، وعليه فإن كتاب (الاستشراق)(orientalism)  المعرفة – السلطة- 
الإنشاء. 
الذي أنجزه سعيد مازال يثير جدلا واسعا بين الأوساط الثقافية في الغرب كونه استطاع أن يفضح زيف الوافد ويعري مقولاته التي قيلت في الشرق بل حتى اغلب النصوص الأدبية لمارتن وفلوبير وسكوت لم تكن بنظر سعيد نصوصا بريئة كونها تحمل صورا تبخيسية عن الآخر، فلغة التمركز تبدو فاضحة في 
مقولاتهم.
اذ برهن صاحب كتاب الاستشراق أن فلسفة الأفعال الاستشراقية قامت على أساس (التمثيل الرغبوي) للآخر، بحيل وخدع خطابية استجابت للتطلعات الغربية، وهذا الأمر دفعته إلى رغبة إنتاج شرق يطابق مواصفات الغربي ومخيلاته وبنيته الثقافية العامة لكنه يخالف حقيقة الشرق نفسه.  من هنا يقال بأن أهم ما في عمل سعيد ليس التوصيف الذي ينعت به الاستشراق بالعنصرية أو المركزية الغربية الداعية إلى تأسيس ثقافة امبريالية فهذا الأمر بات واضحا في كل ما قدمه الاستشراق السياسي، لكن الأهم في عمل ادوارد سعيد على حد وصف وجيه كوثراني: إدراك سعيد في فهم أدوات إنتاج النص الاستشراقي. فسعيد انفرد في تحليل خطاب الوعي المضاد ذلك الخطاب الذي أسس له فرانز فانون عبر كتابه (معذبو الأرض) في كشف العلاقة بين المركز والأطراف (الغربي – اللاغربي)، وبهذا يعد سعيد مؤسس الخطاب النقدي الاستعماري أو ما يعرف بدراسات ما بعد الكولونيالية، ذلك الخطاب الذي يتناول مجمل الآثار الثقافية، وسار على تلك المدرسة (السعيدية) العديد من الكتاب الغربيين وسواهم أمثال: غياتري سبيفاك وهومي بابا وبيل اشكروفت وانيا لومبا والمفكر الإيراني اليساري وحميد دباشي.