بناء الدستور وفقاً لقواعد المواطنة والتعدُّد المجتمعيِّ
آراء
2020/11/04
+A
-A
محمد حسين الرفاعي
[I]
نتوقف عند مضمون الدستور في الدولة، أيَّةِ دولة، اِنطلاقاً من البداهات التي يجب التوفر عليها فيه، وكذلك يمكن التوفر على الفهم بمضمون الدستور، بواسطة الاِتفاق المجتمعيّ عليه. وهكذا، فإن [المجتمعيَّ] أصل الدستور، أي دستور مهما كان. على ذلك، حينما نقول إن [المجتمعيَّ] هو أصل الدستور، وماهيته الأكثر عمقاً، نعني بذلك أن الدستور يجب أن يتوفر على:
[II]
أولاً: معنى اِجتماع الأفراد المختلفين، والجماعات المختلفة، والفئات المتعدِّدَة، والطبقات المتنوِّعة، والطوائف المتباينة، والمجتمعيَّات المتنافرة، في كلٍّ يُطلق عليه تسمية [المجتمعيّ].
ثانياً: معنى الدوافع، والمبرِّرات الأساسيَّة لاِجتماع هؤلاء، الذي لا بُدَّ من أنْ يكون قد يشتمل على معنى الوطن، ووحدة الوطن، ووحدة الأراضي فيه، ووحدة المصلحة الوطنية فيه. ولكن، ضمن أيَّة معانٍ يمكن أن نتوقف عند مستوى التَّساؤل عن الدوافع التي تؤدي إلى بناء الوطن- الدولة الحديثة، على هَدي العقد المجتمعيّ الكُلِّيّ الذي يُحدِّدُ حقل الفعل المجتمعيّ، في المعنى الأكثر جذرية له؟ أي في معنى الهدف الذي من شأنه، ودلالته الذاتيَّة، ومعناه؟
[III]
ثالثاً: معنى الروابط والعلاقات التي تقوم بين الأفراد، والجماعات، والطوائف، والمذاهب، والفئات، والطبقات المجتمعيَّة، الذي يتضمَّنُ المعاني الأساسيَّة الآتية:
III-I- حُرِّيَّة الاِنتماء، و[الوجود- في- الحقل]، وصيانة هذه الحُرِّيَّة، بحيث هي لا تؤدي إلى الفوضى. كيف تؤدي إلى الفوضى؟ حينما تعتدي على حُرِّيَّة الآخر، III-II- والحفاظ على هَويَّة كل طرف من الأطراف، وتشريع قانون لصيانة ذلك،III-III- وفسح المجال، أي توفير جميع الشروط المجتمعيَّة والقانونية، والإجرائية، أمام الاِختلاف، والتعدُّد، والتنوع، وصيانة تحديد فرادة كل طرف من الأطراف بواسطتِهِ، بواسطتِهِ هو، III-IV- وفتح الآيديولوجيا نحو أفق فهم جديد، واسع، يتسع لكل ضرب من ضروب التَّساؤل، والتفكير، والفهم، على نحو بحيث هي تواجه اِستحالة تحديدها بالعنف، III-V- وتفكيك العنف بواسطة [تشخيص (الكشف)- تفحُّص- وتفكيك] مصادر العنف؛ والسيطرة عليه بواسطة التدريب والتربية والتعليم على ضبط الشر البشري، III-VI- واِعتبار أيَّة عمليَّة فرض تحديد للعلاقة، والرابطة مع الآخر، مهما كان، كان فرداً أو جماعة أو طائفة أو طبقة أو فئة...إلخ، ومهما كانت، ضرباً من ضروب ممارسة العنف؛ إلاَّ إذا كانت عمليَّةَ فرض من قِبَلِ الدولة، والسلط الثلاث فيها.
III-VII- للعنف تصنيف دقيق يتمثَّل في: التصنيف الأول يتضمَّنُ العنف الجسدي: ممارسة العنف جسدياً، كالضرب، والتعذيب، والتجريح، والتصفية،.. إلخ، والتصنيف الثَّاني يتضمَّنُ العنف الرمزي: الذي ينتمي إلى حقل لغة الجسد، كالاِحتقار، والإذلال، والتجاهل،.. إلخ، التصنيف الثَّالث يتضمَّنُ العنف الكلامي: الذي يتضمَّنُ معنى الكلمات التي تشتمل على مضامين الشر البشري، وكل ما يرتبط بتفلُّت الشر، والتصنيف الرابع يتضمَّنُ العنف الاِفتراضي: الذي يُمارس بواسطة وسائل التواصل المجتمعيّ الاِفتراضية. وفي الوقت نفسه، هو يتوفَّر على إمكان أن يتضمَّنَ كل ضروب العنف السابقة، والتصنيف الخامس يتضمَّنُ العنف الهَوَوي: الذي يقوم على اِنغلاق الهَويَّة، وتحديد الهَويَّة على نحو بحيث هي تُقصي الآخر باِختلافه، وتعدده، وتنوعه، وفرادته، وتميُّزه. ويُمكن أن يُمارس بواسطة وسائل العنف في التصنيفات السابقة.
[IV]
رابعاً: معنى التشكلات المجتمعيَّة الناتجة عن الاِجتماع البشري، الذي يتضمَّنُ معنى الأحزاب المشاركة في الاِنتخابات، ومعنى، ومضمون، وهدف كل حزب من الأحزاب التي تسعى إلى الفعل السياسي، بواسطة مشروعيَّة (قانونية)، وشرعية (مجتمعيَّة)، توظفهما في طريق الوصول إلى السلطة.
[V]
خامساً: معنى الكل المجتمعيّ الذي يقوم على وحدة الزمان المجتمعيَّة التي تشتمل على ثُلاثيَّة [الماضي المجتمعيّ- والحاضر المجتمعيّ- والمستقبل المجتمعيّ]. وهذا لا يقوم إلاَّ على الاِتفاق والتوافق والتوفيق بين جميع المكوِّنات المجتمعيَّة المختلفة، والمتعدِّدَةِ، والمتنوِّعةِ.
[VI]
وهكذا، بما أن [المجتمعيَّ] أصل الدستور، فإنَّ الدستور أصل الدولة. وبالتالي هو الذي يُحدِّدُ الممارسة الإجرائية للدولة، ولمؤسساتها، وفقاً لبداهات ست، على أقل تقدير هي الآتية:
I- البداهة الأولى: يُحدِّدُ الدستور، بوصفه الوسيط بين المجتمعيّ والدولة، الأفعال المجتمعيَّة، والفعاليَّة المجتمعيَّة، وحقولها، وحدود البِنى المجتمعيَّة، والمؤسسات المجتمعيَّة في كليتها.
II- البداهة الثَّانية: يخرج الفعل المجتمعيّ عن كونه كذلك، في اللَّحظة التي يتجاوز حدود المجتمعيّ، ولا يتوقف عند حدود قد اِتُّفق عليها، ضمن حدود العقد المجتمعيّ.
III- البداهة الثَّالثة: الدولة لا تتميز عن المجتمع إلاَّ بوصفها ضامنَ حماية- والحفاظ على الفعل المجتمعيّ ضمن مفاهيم الاِختلاف الايديولوجي، والتعدُّد الفكري، والتنوُّع المجتمعيّ.
IV- البداهة الرَّابعة: يتضمَّنُ الاِختلاف الايديولوجي معنى صيانة حُرِّيَّة القول، والكلمة، والتفكير، والرأي، والتصريح، اِنطلاقاً من حقل واسع من الأفكار العالَميَّة من جهة، والأفكار التي من شأن الخُصوصيَّة، من جهةٍ أخرى، من قِبَلِ الدولة.
V- البداهة الخامسة: يشتمل حقل التعدُّد الفكري على معنى تطوير، وتحديث التَّفكير العلميّ- والفلسفي الحديث، الذي يوجِّهُ دعوة [التَّساؤل- والتفكير- والفهم]، في عمليَّة إنتاج، وإعادة إنتاج المجتمع، ضمن مؤسَّسَتَيْ التربية، والتعليم، بعامَّةٍ، والتعليم العالي بخاصَّةٍ.
VI- البداهة السادسة: يرتبط حقل التنوُّعِ المجتمعيِّ بتنوع حقول الوجود المجتمعيَّة، من جهة، وبقيام الفعل المجتمعيّ على، وفي الحدود المختلفة لحقل الفئة، أو الطائفة، أو الجماعة، أو المجموعة من الأفراد، أو المذهب، أو الطبقة المجتمعيَّة. وترتبط وظيفة الدولة إزاء ذلك بالحفاظ على هذا التنوُّع بواسطة تشريع قوانين سلام- وسلم مجتمعيّ.
[VII]
فإذن نحن أمام ثُلاثيَّة [المجتمعيِّ- الدستور- الدولة]؛ ويستحيل أن تقوم الدولة من دون تحديد مُتَّفق عليه بين [المكوِّنات- المجتمعيَّة] حول مضمون، ومنظور كل طرف من أطراف الثُلاثيَّة أعلاه. فعلى صعيد المجتمعيّ يُصبح الاِعتراف بالمجتمعي بكُليَّتِهِ، وبمجتمعي ما في كلِّ مرة، داخله، أرضيَّة التوافق على الدستور.
وعلى صعيد الدستور يُصبح الاِتفاق على الوطن، والوطنية، ووحدة الوطن، والحفاظ على التعدُّد داخل الوطن، أرضيَّةَ التوافق على شكل- وبنية- وتحديد ممارسة الدولة. وعلى صعيد الدولة، نكون أمام الاِتفاق في الاِختلاف، وعليه، وطبيعته، وماهيته، وكيفيَّة ممارسته، مجتمعيَّاً