علي حسن الفواز
الواقعية ممارسة مثلما هي منهج، وبين الخيارات تكمن القدرات على الفعل، وعلى توظيف المنهج لتأهيل الممارسة في الواقع وفي العلم والمعرفة والحياة، وحتى في السياسة، لأن الحاجة تقتضي الوعي بها، والتمكن من التعاطي مع استحقاقاتها واسئلتها، بما يجعلها فاعلة ومؤثرة، ولها حيازة تجمع العلم بالمسؤولية، مثلما تجمع المنهج بالممارسة.
السياسة العراقية مشغولة بالصراعات، وبحسابات المصالح والخنادق، ولم يلتفت السياسيون الى مراجعة ملفات السياسة، والنظر اليها بوصفها ممارسة في الواقع، وعلماً يستحق التطوير والمنهجة، والتأهيل، ولعل طبيعة التراكم الغرائبي للصراع السياسي العراقي اسهم الى حدٍّ ما في صناعة طبقة سياسية مأزومة من جانب، وفضاء سياسي من الصعب التعرّف عليه وضبط ايقاع فاعلياته المتعددة، وهذا المعطى هو المسؤول عن ما يجري من تعقيدات ومشكلات باتت تهدد الواقع والبنية السياسية ومؤسساتها الدولتية. إن التغافل عن وعي الاستحقاق السياسي المنهجي، سيظل مصدر تشويش للظاهرة السياسية العراقية، ولخطورة ما يتراكم منها في الواقع، على مستوى فاعلية العقل السياسي وممارسته النقدية، أو على مستوى صناعة الخطاب السياسي بوصفه خطاباً موجّهاً للجمهور، أو بوصفه مجالاً تتداعى فيه كثير من الاسقاطات السياسية التي تنعكس على الواقع والمصالح، وعلى معالجة المشكلات التي تحدث هنا اوهناك، ومنها ما يتعلق بأزمة السياسة ذاتها، أو ازمة ملفات الاقتصاد والتنمية والخدمات والتعليم والصحة، حيث ترتبط هذه الملفات بالسياسة وبقراراتها، أو بالتشريعات التي يقوم بتشريعها السياسيون في مجلس النواب..
علم السياسة ومنهجها
الدرس السياسي ليس درساً عشوائياً، والفاعلون السياسيون ليسوا طارئين على الواقع، بل هم علاماته ورموزه، وقواه الفاعلة في الواقع، وهذا ما ينبغي أن تدركه المؤسسة السياسية التشريعية، على مستوى اصدار قانون يتعلق بتوصيف السياسي، وبأهليته المهنية العلمية والمعرفية، وبسيرته في المجال الذي يشغله، فالتغافل عن ذلك يعني تجاوزا على حق المواطن في أن يجد طبقة سياسية تملك القدرة والخيارات على معالجة ازماته، فضلا عن كونه اخلالاً قيمياً في الممارسة السياسية التي تتطلب خبرة ودراية وعلماً وتخصصاً، وبالاتجاه الذي يجعل من صناعة الخطاب السياسي مسؤولية وطنية واخلاقية وثقافية، وقدرة على معرفة ما تتطلبه السياسة من اجراءات، ومن رؤية واضحة، ومن سياقات عمل ترتبط بعلمية المنهج الذي يمكن أن تُدار به برامج السياسة وآلية الحكم، وعلى وفق اسس النظام البرلماني الديمقراطي، والذي هو منهج من مناهج الحكم الذي تحكم به الدول شعوبها، وتحمي به من خلاله مصالحها وسيادتها ونظامها السيادي والأمني والاجتماعي والاقتصادي...