محمد محي الموسوي
بدأ استخدام استطلاعات الرأي العام عبر طريق بعض الشركات والهيئات الخاصة في الولايات المتحدة الاميركية، من اجل توقع نتائج الانتخابات الرئاسية فيها وبعدها سرعان ما انتشرت في مختلف دول العالم، وتعد طريقة الاستبيان من أكثر الطرق المستخدمة في البحوث السياسية والاجتماعية والإعلامية. ويمكن تعريف الاستطلاع على أنه “أداة ملائمة للحصول على معلومات وبيانات وحقائق مرتبطة بواقع معين، ويقدم الاستبيان في شكل عدد من الأسئلة يطلب الإجابة عنها من قِبَل عدد من الأفراد المعنيين بموضوع الاستبيان”.
تاريخ هذا النوع من قياس الرأي بدأ في الثلاثينيات من القرن الماضي ومن حينها أصبحت هناك هيئات ومنظمات متخصصة تطبق هذه الطريقة في قياس الرأي بالنسبة لأي حدث أو مشكلة من المشكلات الوطنية او الدولية، سواء كانت الاستطلاعات الرأي حول الانتخابات او الموضوعات العامة الاقتصادية والاجتماعية و السياسية.
يؤكد كثير من الاميركيين أن دراسات الرأي العام على اختلاف مستوياتها وانواعها صناعة اميركية خالصة، وان استطلاعات الرأي العام على اختلاف مستوياتها وأنواعها هي عمليات منتظمة لقياس نبض الامة، يعود اول استطلاع للرأي العام الاميركي للانتخابات الاميركية بأسلوب علمي ذات مسوحات معتمدة على اجراءات دقيقة منهجية الى عام 1936 حيث قامت في حينها مؤسسة “ لترري دايجست “ وهو أكثر مسوح التصويت في الولايات المتحدة، حيث قامت باستطلاع عشرة ملايين مقترح من أسر لديها هاتف تم أخذها من دليل الهاتف ومالكي السيارات الخاصة، وعلى المرء ان يتذكر كيف كان الوضع في عام 1936 من ناحية الديمغرافية للذين يمتلكون سيارات واجهزة هاتف، وليس مفاجئاً ان عدد مالكي هذه الاجهزة لا يبلغ 33 % فلهذا الاستطلاع لم يكن دقيقا، لأنه لم يمثل عينات كبيرة في المجتمع، وبعدها تم انشاء معهد غالوب الذي اعتمد في استطلاعات الرأي العام على ﻋﻴﻨﺎﺕ ﻤﻤﺜﻠﺔ ﻟﻠﻤﺠﺘﻤﻌﺎﺕ (ﺍﻟﻌﻴﻨﺎﺕ ﺍﻟﺤﺼﺼﻴﺔ)، ﻭﻤﻨﺫ ﺫﻟﻙ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﺒﺩﺃﺕ ﻤﺭﺤﻠﺔ مهمة ﻓﻲ ﻤﺠﺎل ﺩﺭﺍﺴﺎﺕ ﺍﻟﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌـﺎﻡ، ﻭﺍﺴـﺘﻁﺎﻉ ﻤﻌﻬﺩ ﺠﺎﻟﻭﺏ ﻭﺒﻌﺽ المراكز ﺍﻷﺨﺭﻯ ﺍﻟﺘﻨﺒﺅ ﺒﻔﻭﺯ ﺭﻭﺯﻓﻠﺕ ﻋﻠﻰ ﻤﻨﺎﻓـﺴﻪ ﻓـﻲ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒـﺎﺕ ﺍﻟﺭﺌﺎﺴﻴﺔ الاميركية ١٩٤٤ -١٩٤٠، ﻭﺃﺩﻯ ﻓﺭﻁ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺭﺍكز ﺇﻟﻰ ﻨﻭﻉ ﻤﻥ ﺍﻟﻐﺭﻭر، ما جعل ﻫﺫﻩ المراكز ﺘﻌﻠﻥ ﻓﻭﺯ ﺩﻴﻭﻱ ﻋﻠﻰ ﻤﻨﺎﻓﺴﻪ ﺭﻭﺯﻓﻠﺕ ﻋﺎﻡ ١٩٤٨، ﻭﺫﻟﻙ ﻓﻲ ﻭﻗﺕ ﻤﺒﻜﺭ ﻗﺒل ﺇجراء ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﺎﺕ، ﻭﻗﺩ ﻓﺸل ﺫﻟﻙ التنبؤ ﻓﺸﻼ ذريعا، وتعد هذه اول كذبة، ﻭﻨﺘﻴﺠﺔ ﻟﻬﺫﺍ ﺍﻟﻔﺸل ﺍﻟﺫﺭﻴﻊ، ﻓﻘﺩ جاء ﺭﺩ ﺍﻟﻔﻌل ﺸﺭﺴًﺎ ﻭﻋﻨﻴﻔﺎ ﻤـﻥ ﺠﺎﻨـﺏ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤـﻊ الاميركي، لاﺴﻴﻤﺎ ﻤﻥ ﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﺼﺤﺎﻓﺔ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺸﻜﻜﺕ ﻓﻲ ﻋﻤﻠﻴﺎﺕ ﺍﺴﺘﻁﻼﻉ ﺍﻟﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌـﺎﻡ ﻭﻓﻲ ﺇﻤﻜﺎﻨﻴﺔ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻴﻬﺎ كأداة ﻤﻥ ﺃﺩﻭﺍﺕ ﺍﻟﺩﻴﻤﻘﺭﺍﻁﻴﺔ. ﻭﻗﺩ ﺘﻤﺜل ﺭﺩ ﺍﻟﻔﻌل ﺍﻟﻌﻨﻴـﻑ ﻓـﻲ ﺃﻗﺼﻰ ﺼﻭﺭﻩ ﻓﻲ الغاء ﺍﻟﻌﺩﻴﺩ ﻤﻥ ﺍﻟﺼﺤﻑ الاميركية ﻟﺘﻌﺎﻗﺩﻫﺎ ﻤﻊ ﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﺍﺴﺘﻁﻼﻉ ﺍﻟـﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﻭﻓﻲ ﻤﻘﺩﻤﺘﻬﺎ ﺍﺴﺘﻁﻼﻋﺎﺕ ﺠﺎﻟﻭﺏ ﻭﺍﺴﺘﻁﻼﻋﺎﺕ ﺭﻭﺒﺭ. ﻭﻟﻡ ﻴﻘﻑ ﺍﻷﻤﺭ ﻋﻨﺩ ﺤﺩ ﺍﻟﻬﺠﻭﻡ ﺍﻟﻘﺎﺴﻲ ﻤﻥ ﺠﺎﻨﺏ ﺍﻟﻤﺅﺴﺴﺎﺕ ﺍﻟﺼﺤﻔﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﺴﺘﻁﻼﻋﺎﺕ ﺍﻟﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﺒل ﺇﻥ ﺍﻷﻤﺭ ﻭﺼل ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺃﻋﻠﻥ الكونغرس ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻲ ﻋﻥ ﻭﺠﻭﺩ ﺸﻙ ﻟﺩﻴﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﺍﻷﻤﺭ ﻴﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺨﻁﺄ ﺍﻟﻌﻠﻤـﻲ ﺇﻟـﻰ ﺍﻻﻨﺤﻴﺎﺯ ﺍﻟﺴﻴﺎﺴﻲ ﻟﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺠﻤﻬﻭﺭﻴﻴﻥ. ﻭﻤﻥ ﺜﻡ ﻓﻘﺩ ﻁﺭﺡ الكونغرس ﻋﺩﺩًﺍ ﻤﻥ ﻤـﺸﺭﻭﻋﺎﺕ ﺍﻟﻘﻭﺍﻨﻴﻥ ﻟﺘﻨﻅﻴﻡ ﺍﻟﻌﻤل ﺍﻟﺨﺎﺹ ﺒﺎﺴﺘﻁﻼﻋﺎﺕ ﺍﻟﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ .
ﻭكرد ﻓﻌل ﺴﺭﻴﻊ ﻋﻠﻰ ﻗﺭﺍﺭﺍﺕ ﺍالكونجرس الاميركي، ﻨﺠﺢ الاكاديميون ﻓـﻲ ﺘـﺸﻜﻴل ﻤﺠﻠــﺱ ﺒﺤــﻭﺙ ﺍﻟﻌﻠــﻭﻡ ﺍﻻﺠﺘﻤﺎﻋﻴــﺔ ( SOCIAL SCIENCE RESRACH»COUNCIL»SSCR) ﻭﺸﻜل ﻟﺠﻨﺔ كلفت ﺒﺘﻘﺼﻲ ﺃﺴﺒﺎﺏ ﻓﺸل ﺍﺴﺘﻁﻼﻋﺎﺕ ﺍﻟﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌـﺎﻡ ﻋﺎﻡ ١٩٤٨ﻡ ﺤﻭل ﺍﻨﺘﺨﺎﺒﺎﺕ ﺍﻟﺭﺌﺎﺴﺔ ﺍﻷﻤﺭﻴﻜﻴـﺔ، ﻭﺍﻨﺘﻬـﺕ ﺍﻟﻠﺠﻨـﺔ ﺇﻟـﻰ ﺇﺩﺍﻨـﺔ ﺍﻟﻘـﺎﺌﻤﻴﻥ ﺒﺎﺴﺘﻁﻼﻋﺎﺕ ﺍﻟﺭﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ. ﻭﻗﺩ ﺃﺭﺠﻌﺕ ﻓﺸﻠﻬﻡ ﻓﻲ ﻋﺎﻡ ١٩٤٨ﻡ ﺇﻟﻰ ﻭﺠﻭﺩ ﺘﻘﺼﻴﺭ ﻤﻥ ﺠﺎﻨﺒﻬﻡ اكثر من كونه ﻗﺼﻭﺭًﺍ منهجيا. ﻭﻟﻜﻥ ﺴﺭﻋﺎﻥ ﻤﺎ ﻋﺎﺩﺕ ﺍﻟﺜﻘﺔ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ المراكز، ﻭﺨﺎﺼﺔ ﺒﻌﺩ ﺃﻥ ﺍﺴﺘﻁﺎﻉ ﻤﻌﻬﺩ ﺠﺎﻟﻭﺏ ﻋﺎﻡ ١٩٦٠ﻡ ﺃﻥ ﻴﺘﻨﺒﺄ ﺒﻨﺘﺎﺌﺞ ﺍﻻﻨﺘﺨﺎﺒﺎﺕ ﺒﻴﻥ كنيدي ﻭﻨﻴﻜﺴﻭﻥ ﺘﻨﺒﺅًﺍ صحيحا، وهذه الثقة اهتزت من جديد خلال الانتخابات الماضية بعد ان أظهرت استطلاعات الرأي لمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي كانت تتمتع بتقدم عن منافسها الجمهوري ترامب في استطلاعات الرأي خلال الانتخابات في 2016، وبالمثل ترسم بيانات استطلاعات الرأي هذا العام 2020 صورة مماثلة، حيث يتقدم المرشح الديمقراطي المرة جو بايدن لغاية الان بشكل مريح في عدد الاصوات فهل تصدق هذه المرة الاستطلاعات ؟