إيقاع العاطفة المتوهِّجة

ثقافة 2020/11/08
...

   علوان السلمان
 
الكتابة الشعرية نسج من المعرفة.. وشكل خلّاق من البناء الفني المستفز للذاكرة بأسلوب لغوي جاذب بألفاظه الشفيفة مع طغيان الصبغة الفنية والخيارات الجمالية من اجل خلق تواصل متفاعل مجتمعيا.. باعتماد مرجعية ثقاقية ووعي معرفي..
والشعر بحد ذاته فكرة ورؤية ابداعية خلاقة قوامها اللمحة اللحظوية التي يرصد حركتها وينسجها شعريا منتج (شاعر) واعٍ يكشف عن حالة نفسية بلغة تشكل وسيلة تبليغ وغاية في حد ذاتها من جهة ومن جهة اخرى تفجير قدرتها التعبيرية والانزياحية الكاشفة عن وظيفتها الجمالية...
  وباستحضار المجموعة الشعرية (لم تُنكر خطيئتها) التي نضحت افكارها ذهنية الشاعرة إسراء العكراوي ونسجت عوالمها النصية اناملها.. واسهم الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق في نشرها وانتشارها/2020.. كونها تكشف عن شعرية تتصل بطبيعة الذات المنتجة التي هي جزء من الذات الجمعي الآخر وتكوينها الفكري واستيعابها لحركة الواقع بكل تناقضاته وصراعاته.. باعتماد ضمير المتكلم المتفاعل والآخر بوحدة موضوعية مع تناغم ايقاعي وعاطفة متوهجة وانزياح لغوي.. فقدمت نصا ينتمي الى عمود الشعر الفراهيدي تكشف عنه القافية الموحدة.. بطريقة حداثية انحصرت في نثر التفعيلات بشكل متوازن.. خالق لصورها التي جعلت من التعبير الشعري تداولي المعنى الذي لايخلو من حس دلالي..  
(يانوح../ أركبنا معك/ ما ذنبنا يا نوح؟/ كي عنا تُغلّق مسمعك/ إنا صغار الخيبة الكبرى../ وأحفاد القلق/ طبعوا على أرواحنا وطنا كبيرا/ من ورق/ وطنا.. وغنيناه من فجر البكا../ لكن بأول جذوة فينا احترق.)    /ص29 ـ ص30
   فالنص ينفتح على الفضاء الروحي والتغلغل في الاعماق من خلال مخاطبة الآخر وبثه لوعة الشعور بالاغتراب والبحث عن المنقذ باستحضار الخطاب الديني وممازجته بالخطاب الشعري من اجل منح النص رؤية متميزة الدلالات الشعرية.. فضلا عن اعتمادها البنية الدرامية والسردية الشعرية التي تناغي حرقة الزمن عبر حوار منولوجي داخلي محققا معادلة انسانية تؤسس لمشاهدها الجمالية القائمة على استثارة الخيال الشعري واستدعاء ذاكرة المكان (سفينة نوح)..
ما الضير.. لو كان المدى حرا..
فوجه الله سمح
ما ضر
لو كان الصغار بلا معاناة تفح
أكل الضباب سماءهم..
وسحابة الاحلام.. ملح
ما ضر لو كنا  معا..
وعتابنا ود وصفح
وعلى مَ نلهث عمرنا
ومتاعنا هم وجرح
فرق تغير على قرانا..
ثم نهتف: بان فتح
مستأسدون لأهلنا..
للظالمين..رضا ومدح   / ص72ـ ص73ـ ص74
فالنص كيان مشحون بعذابات الانسان ورافض لاشكالات الواقع بوعي حضاري، وردّة فعل على وجود مأزوم يعج بالمتناقضات بلغة مجازية تعتمد الصوت والايقاع .. مع توظيف الاستعارة التي تحطم حاجز التوقعات.. فضلا عن استخدام المنتجة (الشاعرة) بعض التقنيات الفنية والاسلوبية كالتناص الشعري المضاف للقرآني.. كما في قولها (مستأسدون لأهلنا../ للظالمين.. رضا ومدح) التي تجرنا الى قول الشاعر معروف الرصافي: عبيد للاجانب هم ولكن/// على ابناء جلدنهم اسود).. فضلا عن تعريف الفعل بـ (أل) التعريف لاضفاء الدرامية عليه ومنحه الصفة الاسمية.. (وذاك اللا أعي معناه في خلدي) ص110.. وهناك اسلوب التكرار الدال على التوكيد والمضفي على النص موسقة مضافة.. وتقنية التنقيط (النص الصامت) الدال على الحذف والذي يستدعي المستهلك للاسهام في بناء النص وملء فراغاته.. مما جعل النص متميزا بسموه الفني وعمقه الفكري من خلال تفجير الطاقة الذهنية المعبرة عن روح العصر..
يا سيد النخل المطل على الفضا
كسّر بعشقك قسوة الاطواق
مازال بين المسلمين جهالة
وملوكنا جمع من السراق
ما زال أطفال جياع.. ياأبي
يتوسلون
برحمة الاملاق
سقطوا على الطين المبلل بالاسى
كي يكبروا..
والطين في الاعماق   /ص102
فالشاعرة عبر نصها تعلن عما يختمر في ذاتها ومكنوناتها بتراجيدية وسردية شعرية تختزن الالم والانكسار النفسي والمجتمعي بتجاوز نفسها كونها جزءا منه.. مع تجسيدها الادراك الحسي بطبيعة الاشياء والاحساس العميق بمأساة وطن من خلال موقف يتسم بوعي ورؤية نافذة..
ماء الورد المسكوب هدير يبعث لوعتنا
فيئن ضمير خلايانا
ويخاطب أهلينا الماضين: بلى
قد طال الدرب
....................
وتشغلنا ترهات المسافة
لكننا  قادمون اليكم
أضيئوا مصابيح أحضانكم كالنجوم
لمقدم أرواحنا المثقلة  /61  
  فالنص يتفاعل مع الشخصية (الانا الجمعي) عبر بناء محكم بفنيته ووحدته وتركيز مفرداته الموحية وايجاز عباراته.. فضلا عن اعتماد حيز التنامي التصويري برؤية تكثيفية خالقة لمشاهدها الايحائية للكشف عن مثيراته الجمالية باقتصاد لغوي واختزال تركيبي معبر عن رؤية جدلية  للحالة الانسانية وعمقها النفسي..
  وبذلك قدمت الشاعرة نصوصا تهتم باستعادة اللحظة وبناء علاقة بين الذات والموضوع ببناء فني تركيبي لتطوير الفكرة.. فضلا عن توظيفها مجموعة من الاساليب داخل بوتقة واحدة بلغة يومية تحمل خطابها الصريح الممزوج بلمسات جمالية..