قرّاء يعزفون عن اقتناء الكتاب العراقي.. وآخرون لا يثقون بما يصدر

ثقافة 2020/11/08
...

البصرة: صفاء ذياب
 
هل يمكن أن تعود الحياة لكتب مرّ على صدورها مئات وعشرات السنين؟
ربما يبدو هذا التساؤل غير منطقي، فالإجابة ببساطة أن الكتاب لا عمر له، لكن ما دفعنا لطرحه انجذاب القرّاء، لاسيّما الشباب إلى الكتب الصادرة قبل عقود طويلة، إن لم تكن مئات السنين- على سبيل المثال- أصبح ظاهرة ملفتة في عالم المكتبات والقراءة. بمجرد أن تتابع المواقع الإلكترونية المتخصصة ببيع الكتب، مثل جملون ونيل وفرات، ستفاجأ أن الكتب الأكثر مبيعاً في كل مرحلة زمنية هي روايات ديستويفسكي وتولستوي وهمنغواي وسلامة موسى ومصطفى الرافعي وغيرهم من الكتّاب الذين مرّ على وفاة أحدثهم أكثر من 70 عاماً، هذا على المستوى العربي، أما العراقي فلا يختلف كثيراً، فروايات ديستوفسكي وغيره وكتب جان جاك روسو وغوستاف لوبون مثلاً تتصدر مبيعات أية مكتبة في بغداد والمحافظات. وهذا ما يشكّل مرحلة جديدة لها أسبابها في عالم القراءة.
 
إصدارات لا تحصى
يقول الشاب منتظر البطّاط، أحد القراء المتابعين لعالم سوق الكتاب، إن السبب الرئيس بالنسبة للمكتبات العراقية، أن دور النشر أصبحت دكاناً وسيطاً بين المؤلفين والمطابع لا أكثر، والدليل على ذلك أن أغلب هذه الدور لا تقرأ ما يقدّم لها للطباعة، ولا تعرف ما الذي ينشر لديها، لأنه هذه (الدكاكين) لا تفكّر إلا بالربح الذي تأخذه من المؤلف، لهذا أصبح الكثير من ناشطي الفيسبوك وتويتر مؤلفين ولهم كتب يروجون لها، وعند تقليب أي كتاب منها ستجد أنها فارغة ومؤلفها لا علاقة له بالكتابة، وربما لم يقرأ أي كتاب في حياته.
ما يراه البطاط ليس بعيدا عن الواقع المؤلم للكتاب العراقي، حتى أن هناك دور نشر جديدة أصدرت خلال سنتين أو ثلاثة مئات العناوين التي لا علاقة لها بالتأليف، وتجاوزت في عدد إصداراتها دور نشر لها تاريخها الطويل مثل التنوير والجمل وغيرهما من دور النشر المعروفة.فضلاً عن ذلك، فإننا أمام وقائع أخرى عن هذه الدور، وهذا ما يطرحه حسين مايع، الأمين العام في اتحاد الناشرين العراقيين ومدير دار قناديل في بغداد، مبيّناً أن شارع المتنبي امتلأ بدور نشر تعمل بالاستنساخ وحددت أسعار الكتاب بشكل علني، فكتاب من 100 صفحة مثلاً، تسلمك 100 نسخة خلال ثلاثة أيام بمبلغ زهيد، وهذا العرض سارٍ على أي كتاب يصل لهذه (الدور)، وهو ما جعل من يسمّون أنفسهم كتّاباً [بالصدفة] يطبعون أي شيء يكتبونه، فضلاً عن أن هذه الجور التي تعمل بالاستنساخ لا علاقة لها بمحتوى الكتاب ولا بالشكل الفني له. هذه الظاهرة ليست جديدة على سوق الكتاب العراقي، فقد بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي، مع بداية الحصار الاقتصادي، وانغلاق العراقي على نفسه ما عدا من هرب من جور النظام السابق، وتمكّن من الطباعة في دور نشر عربية محترمة، غير أن من بقي في العراق لم يتمكّن من هذا التواصل مع تلك الدور، وليست لديه القدرة المادية لطباعة كتاب تتجاوز تكلفته مئات الدولارات، فاضطر لطباعة كتابه بعدد بسيط من النسخ، عن طريق الاستنساخ، وغلاف مقوّى لا أكثر. وإذا كانت للتسعينيات مبرراتها في إصدار كتب كهذه، فما المبرر الذي يدفع أشخاصا يفتتحون دور نشر في قلب عالم الكتاب العراقي- شارع المتنبي- وإصدارها بالطريقة القديمة نفسها؟. يبرّر أحد أصحاب هذه الدور الذي طلب عدم التصريح باسمه- أن الدار تفكّر أيضاً في من لا يمتلك المال لطباعة محترفة، لهذا علينا ألا نحصر الأمر بالطباعة الحقيقية وتوزيع الكتاب، فالكثير منهم لا يريد إلا إصدار كتابه، ولو بخمسين نسخة فقط، وهذا ما نفعله نحن، ومن ثمّ لدينا نقّاد يكتبون عمّا يصدر، وهم من يحدّد إذا كان الكتاب جيداً أم لا، وليس نحن كدار نشر.
العزوف عن الكتاب العراقي
ما يحدث في بغداد والمدن العراقية الأخرى من افتتاح دور نشر من الصعب إحصاؤها الآن، جعل أغلب القرّاء العراقيين لا يثقون بما يصدر عراقياً، لاسيّما من تلك الدور التجارية، فالكتاب يصدر من دون تصحيح أو تحرير أو حتى إخراج فني. فبعدما كان القارئ العراقي مهتماً باقتناء الكتب التي تصدر عن دار الشؤون الثقافية في السبعينيات والثمانينيات، لاسيّما كتب النشر المشترك مع دار توبقال على سبيل المثال، وغيرها من السلاسل التي صدرت في تلك المدة، انفلت الأمر، ولم تعد هناك رقابة على المطبوعات - فنياً على الأقل- مثل الموافقات التي تحصل عليها دور النشر في الدول العربية الأخرى. غير أن مفردة (رقابة) تحيلنا دائماً إلى ما كان يحدث أيام النظام السابق، وسيطرته على الجانب السياسي والفكري وليس الفني. لكن جابر حجاب، يتمنى أن تكون هناك رقابة فكرية على الأقل، فحسب رأيه، إن ما تصدره الكثير من دور النشر- ولا أقول جميعها- بعيد تماماً عن كل ما يمت للثقافة بصلة، فالكثير منها تهويمات لا رابط لها، فكل من يمر بقصة شخصية دوّنها على شكل [سالفة] وأصدرها بكتاب، ولا ننسى تسارع هؤلاء لتدوين أحداث عراقية يومية على شكل رواية، 
مثل ما حدث مع ثورة تشرين وكورونا خلال هذه السنة، وكأن الأمر سبق صحفي وليس كتابة إبداعية.
ويشير حجاب إلى أننا نحتاج لرقابة حقيقية على الجانب الفني، إن كانت أسلوب الكاتب ولغته وبناء كتابه، وليست رقابة فكرية، فهنا سندخل في مشكلة حرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي.
 
العودة للتراث
هذه بعض الأسباب التي دفعت الكثير من القرّاء، لاسيما الشباب منهم، للبحث عن الأعمال الأدبية القديمة، فما زالت الجريمة والعقاب والاخوة كرامازوف ونساء صغيرات والشيخ والبحر هي التي تتسيّد مبيعات أغلب المكتبات العراقية، فضلاً عن إصدارات علي الوردي وغيره من الكتّاب الذي بحثوا في التاريخ الاجتماعي العراقي، لأن هؤلاء الشباب يرون أن ما كتبه هؤلاء ما زال مؤثّراً في القارئ وفي الحياة أيضاً، فبحسب أحد الشباب، يؤكّد أن الروائي العراقي لم يستطع تجاوز أعمال غائب طعمة فرمان وفؤاد التكرلي على الرغم من صدور أكثر من ألف رواية في العراق منذ العام 2003 وحتى اليوم، من هذا العدد الهائل، كم رواية نستطيع أن نفرزها ونقول إنها من الأعمال المهمة؟ ويجيب عن هذا التساؤل بقوله: ربما لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة!
أسئلة كثيرة يمكن طرحها عما يصدر عراقياً، وأسئلة أكثر تدور حول عزوف القارئ العراقي عما يصدر في العراق، وأسئلة أخرى عن آلية عمل دور النشر، لكن السؤال الأهم الآن: ما الذي يريده القارئ العراقي؟