كائنٌ يَنام داخل فمه

ثقافة 2020/11/08
...

  غيث الفضيّ 
 
تَحسبُ أنكَ تَنام وحيداً 
الليل على امتداد الغرفة يتّسع 
اللمبة تَهَفت مثل نهد صغير ومرآة متسخة 
تلتمع، في مكان ما تَقف هُناك 
متحمسة على ارتفاع برميل من النافذة 
عينان تلتمعان مضبّبتين تنظر الى الخارج 
هناك الكثير من الأكتاف متعثرة 
بقهقات النوافذ المفتوحة 
وخطوات يلتهمها 
السكارى على عجل مثل الأوجاع القديمة 
تموت الأحجية على هذا النحو وحبنا يتأبط هزيمة. 
ثَقِيل مِثْل عَرَبَة ثِيراِن فارغة 
تَحمل أسمها مثل روح امرأة مُحَتَرقة 
صَدرها مُعَبأ بالتَبغ والخَمْرة وأنْفَاس الرِجَال 
المُسَرفين بالتَدخين 
شِفَاها قَارِسة مَثل قِرْمِيد مَنسيّ في كَوخ 
عَشِية لِيلة حُبُّ.
 يجَذْبني الليل كَجلد فَراشة 
أنسلخ تواً على فَوَاِنِيس شِرفات الفنادق..
 أُعَاقِر الخَمَر ودَخان 
سجائر لفّ وزَقَزقات المَطر ونظرات 
النساء القصيرة 
الأشياء التي تتَرك فِينا شيئاً مثل الخدر في زِحام 
المدينة ومصباح يبحث مثلي عن ليلٍ ينامه.
 تنطفئ حرارتهِ بين ثياب المارة! 
 
أمضيتُ الليل كله بلا أحد 
فماً على فم.. ألتصق في كل الأشياء 
وأسقط مثل علكة منتهية 
الصلاحية ستصير سوداء بعد ذلك، أغمضت 
العينين ونمت في الدولاب مرة 
في الزاوية مرة 
ومرة في حياة شخص يعيش هناك!
 
مُتشنجاً، مِثلَ ضحكة صدر 
مَشْقُوق وعاجزاً.. مثلَ قِماط ينفتح 
ببطء مثل شاعر مسجون، يتجهز للقائك 
وهو يكنس الزنزانة! 
مِقْصَلَة في الخَارج 
الحبل هُنا.. بيدك رقبتي!
تَبدين مدينة أخرى تتَّكئُ على نافذة. 
 أنا هنا بِسجائري أتشكل فوق 
المنارات.. أنا ذلك البعيد 
المُعَلق كالقميص على حبل السطوح 
المهجورة. 
فِي بَيْرُوت أو بَغْداد تَرقْص 
الضَفَائِر عَلى ضوء البَنادق دُمْية 
مُحتَرقة عَلقها عَصْف الانفجار على الجِدار 
وفِستان يُرفرف على أعلى 
المَبنى دونَ جثة خلاخِيل مُتوجة بالدم 
تصعد المرافئ، وضِفاف فرات 
مُظلم بالدمِ القاني 
ها أنذا العَربي الوَحيد
 أرحل، بحزن الخُزامَى 
والزيتون كما مشيت في جنازة 
أبي، أدركُ معنى أن تترك قُبلة 
ندية وحسرة يقرضها الغبار.
 أرحل كَزبون مقهى قديم 
أتوقفُ عند النوافذ أسأل حِراس 
المتاجر غير مهتمين 
لماذا لم تتحدث المِناضد الرمادية معي؟ 
أتشاطرني الغربة؟ 
لا بأس، ستقابل غريب آخر 
رجلاً يَصنع توابيت بعجلة دون مهارة 
أصابعه رمادية، كجدائل محناة من فرطِ نقل جثث 
الشباب.. وصحفي كئيب 
وجهه مثل زيت ينطمس شيئاً 
فشيئاً مثل خبر مروع قديم! 
سأرحل محشواً بالجثث 
والدخان هكذا ترحل المدن الميتة!