لعل كلمة مثل (بشت) بكسر الباء، لا يتوقع أن نجد لها أثراً في الموروث العربي، لكنها تغلغلت اثر تلاقح اللغات في أواخر العصر العباسي فقد جاء في كتاب شذرات من العامي والمولد: (قال أسامة بن منقذ «ت: 584هـ» في «الاعتبار»: «فضربه الوالد بهذا السيف وهو في غمده متقلدٌ به، فقطع الجهاز، والنعل الفضة، وبِشتاً كان على الركابي...». وعلق المحقق الاستاذ فيليب حتّي في الحاشية بقوله: أو بُشتاً عباءة. ولعلها «بُشت» الفارسية.) ويعلق العلامة د.محمد حسين الأعرجي رحمه الله فيقول: (وأراني أميل الى أن البشت عباءة، ويبدو أنها بكسر الباء كما هي في متن الاعتبار، وليس بالضم كما هي في حاشية المحقق ... ومن أمثال العراقيين العاميّة: يا بو بشت بيش بلشت «يقولونه لمن يغالب خصما لا يقدر عليه» ومعناه يا أبا بشت كناية عن الرجل المترف بماذا ورطت نفسك؟).
أما (بستوگة) فقد وردت في ديوان ابن الرومي يهجو إسماعيل بن بلبل: (سائل أبا الصقر إذا جئته عن أمه ذات البساتيق
فقال المحقق في الحاشية: ذكر القاموس المحيط أن البستق بمعنى: الخادم ولعله يتهم أمه بالخدمة ...
أقول: البستوقة هي الزير الصغير ومازالت تستعمل في العراق بهذا المعنى.. وصار العراقيون يستعملون البساتيق لحفظ المخللات، وهم يسمون هذا المخلل: الطرشي؛ وأرى أنها مازالت تستعمل في بعض البلدان العربية وقد شاهدتها في سورية وفي تونس؛ ثم ماذا نسمي ما تحمله كهرمانه في تمثالها الذي يتوسط بغداد؟.
لقد وقع المحقق في فخ المعنى التداولي ومقتضى الحال، ذلك لأن التداولية منهج معرفي يطال المستويات اللغوية كلها، فالنحو يتأثر بالتداولية، والدلالة تتأثر بالتداولية، والمعجم يتأثر بالتداولية، وسائر أصناف الخطاب تتأثر بها، فتكون من ثمَّ أداة معرفية تضيء جوانب كثيرة من اللغة والخطاب، ولأن أم المهجو
تحمل البساتيق فقام بترحيل صفة الحامل ليجعلها اسماً للمحمول (البستوقة)، لأن وجهة الهجاء هي أم المهجو لا ما تحمله. كما أن النسق المضمر في النقد الثقافي قد يفاقم الهجاء ويجعل أم المهجو حمالة الخمر للراغبين فيه، وهو امر يشي باختلاطها وترددها عليهم؛ لكن الهجاء او صفة الخادم ليست للبستوقة إنما لحاملتها.
ومثل ذلك كلمة (بوس) فلقد استقرت في الشعر العربي حتى شاعت فصيحةً وعاميّةً، لأنها بحسب محمد حسين الأعرجي (باس: بمعنى قبل قالها ابو نواس:
... يا ماسح القبلة من خده من بعدما قد كان أعطاها
خشيت أن يعرف إعجامها مولاك في الخد فيقراها
ولو علمنا أنه هكذا كنا إذا بسنا مسحناها ...
أقول بقيت اللفظة مستعملة في اللهجة العراقية، وفي كثير من اللهجات العربية الى اليوم).