إشكالية الوباء في التاريخ الأدبي المعاصر

ثقافة 2020/11/11
...

   ضحى عبدالرؤوف المل 
 
كشفت الروايات التي استحوذ عليها عباقرة الادب عن مرآوية التجربة مع الامراض الوبائية المتخيلة منها والواقعية، وبقدرات اسلوبية مختلفة من تصويرات للارتباك وللذعر والفزع، كما في رواية «العمى « لجوزيه ساراماغو ورواية «البير كامو» الطاعون وغيرها من الروايات اللواتي وصفت الطاعون او العمى الابيض او الكوليرا، وحتمية الوجود والتصدي للموت الذي يصيب الانسان بمقتل قد يقضي على وجوده، بل وخلق ازمات اخلاقية وروحية ناتجة عن الازمات الطبية التي تهز الصورة الانسانية، وتصيبها بذعر عقلاني مصدره الانسان نفسه لا الوباء. 
فالقدرة على صفاء الرؤية الادبية هي اشكالية تقع على عاتق الادب المعاصر الذي ما زال يقف امام الروايات القديمة بانبهار يؤدي الى فقدان الرغبة عن الوباء الكوروني الحالي الذي لم يصب الرواية العربية التي تقاوم وجوده بنفيه ادبيا، وبؤسه المتغلغل في المقالات بشكل أوسع. 
فهل من أدب وبائي يعالج تحليلات ما حدث في العالم؟ وهل تطور الادب الوبائي تاريخيا، ليقف عاجزا في العصر الحديث امام روايات كتبها البير كامو و او جوزييه ساراماغو غيره؟ أن نشهد مراحل انتشار الوباء في الكثير من الروايات، التي تحدثت عن ذلك يعني أننا نتعرف على بدء انتشاره وانحساره من خلال اللغة الادبية والفنية، والوصف المدهش بنبرات تعلو وتنخفض، وتعبير دقيق ومجرد من الحرص على اظهار قوة الفن الروائي الوبائي الحريص على التلقائية في خلق المراحل التتابعية المتعلقة به. 
وضمن الموقف الذي يتبناه السرد باحتواء للازمة المساعدة في تصفية الرؤية الطبية من الشوائب، ومن ثم ربط الوباء سياسيا من خلال قدرة تعاطي الدول معه، والوقوف انسانيا إلى جانب الانسان كفرد فعال في مجتمع يتذوق اهوالا لا يمكن تصديقها، ومعاناة عميقة اخلاقيا وروحيا، فهل يمكن أن يتشابه الادب الوبائي مع ادب التوقع الذي يرسم نهايات العالم، وهل سنشهد على عصر الرواية الوبائية بعد كورونا والتشتت الذي اصاب الاقلام ووضعها امام حالة من الذهول الروائي، أم ان الرواية المعاصرة ستحمل الكثير من العناوين التي ستدخل ضمن الادب الروائي الوبائي المعاصر، وهل يقتصر الوباء على الامراض الفيروسية، ام ان الوباء يشمل الكثير من الامراض التي تصيب المجتمعات بمقتل، وهل اصابنا كورونا بحجر روائي؟ لا شك أن الادب الوبائي في روايات» البير كامو «و»جوزييه سارماغو» لعب دوره رمزيا من حيث رمزية الطاعون، والاقوى رمزية العمى الابيض، والذي يتنافى مع العمى الحقيقي والسواد الذي يلف النظر كليا في رواية جوزييه ساراماغو. 
وقدرته على العدوى واغلاق الرؤية عن الحقائق التي تحدث في المجتمعات الفقيرة فكريا، وغير القادرة على تحليل الاحداث ما بين الوباء الجسدي والوباء الاخلاقي للسياسيين خاصة. 
وفكرة الشر الذي يقبع في النفوس وتلوثها ومن ثم معالجتها اخلاقيا ووبائيا وبتحفيز نفسي اكثر قوة من التعاطف مع المرض والحالات التي فرضها، فهل الحجر الكوروني اصاب الادب المعاصر بوباء ادبي يمكن الشفاء منه، حين نشهد على روايات معاصرة تصدر بعد اعوام من هذه الازمة التي اصابت الادب قبل الانفس او الا قلام؟ إن التأثير الوبائي في الصدمات الادبية تجتاح التاريخ الصحي للادب المعاصر الذي ما زال ينتج المقالات المتفرقة ادبيا. 
إلا أنه وقع في إشكالية كبرى هي حقيقة نفسية نتجت عن وباء الكورونا في العصر الحديث، والمتقدم طبيا عن العصور السابقة التي انتجت الكثير من الروايات الحاسمة بوجهات نظرها التي جعلتنا نستلهم الكثير من التحليلات، ومعرفة ما نتج عن الاوبئة في العصور السابقة خاصة عند لجوء الانظمة الاستبدادية الى الحجر الصحي كما يحدث الان،فهل ستنطلق روايات الادب الوبائي المعاصر بعد كل هذا الصراع الطبي معه وهل سنشهد تحليلات روائية عميقة
 وقوية؟