العودة الى التراث

ثقافة 2020/11/11
...

 حسين رشيد

 
 
عبر تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي تنط بضع إعلانات أو صفحات ممولة تروج لمفروشات وأنواعٍ من السجاد وما يسمى (المدات) شعبياً تحمل النقشات والأشكال التراثيَّة التي ما زال بعض البيوت العراقية يحتفظ بقطعٍ منها تعبيراً عن الاهتمام والاعتزاز بالموروث
 العراقي.
ويبدو أنَّ الذائقة العامة أخذت تميل نحو التراث والماضي، إذ كان لبساطته وجماله أو لتكويناته الطبيعيَّة من دون أية تدخلات معاصرة في الشكل والتصميم، فضلاً عن ارتباطه بالذاكرة الشعبيَّة والموروث الحكائي لكل أسرة، إذا ما أنعم عليها بتواجد الجد والجدة أو أي شخص مسن يحمل بين طيات ذاكرته حكايات عن تلك المفروشات وصناعتها اليدويَّة وحكاية كل قطعة متوفرة في البيت حالياً أو من شهدها من أفراد الأسرة. حكايات عن الأفراح والمناسبات وكيف كانت تتم ببساطة وعفويَّة، حكايات عن تآزر الجيران في ما بينهم، وأشياء أخرى كثيرة يحفظها (دولاب) الذاكرة.قد يكون هذه الميل عند فئة معينة من الناس لكنه حتماً سيصل الى فئات أخرى تدريجياً. 
فقد تكون هذه طبيعة النفس البشرية والحنين الى ما مضى مكانياً وزمانياً، والأمر لم يعد مقتصراً على المفروشات فقط، بل ثمة محاولات أخرى لإعادة المقهى البغدادي أو الذي على الطراز البغدادي المعماري عبر الشناشيل والزخرفات وأماكن الجلوس والعودة الى ما يعرف بـ(القنفات والتخت) وإحياء الأجواء البغداديَّة التراثيَّة من أغان ومقامات
 وبستات. 
ناهيك عن أسماء تلك المقاهي والمطاعم المرتبطة أيضاً بالذاكرة البغداديَّة.وثمة شغفٌ آخر بالماضي والتراث والحنين لهما، فثمة العديد من الصفحات عبر تطبيقات ومواقع التواصل الاجتماعي تختص بنشر الصور التي تحاكي فترات معينة من تاريخ البلاد، وأخرى تعنى بالمورث الحكائي من قصص وحكايات وأمثال، وثالثة بأجهزة البيت التي كانت مستخدمة في كل فترة زمنيَّة ومدينة.
العودة إلى الماضي والتراث الخاص والجمعي تمثل حافزاً في الغالب وتنعش الذاكرة وتثير الحنين إلى واقع مستقر ومستقبل قريب معلومة بعض تفاصيله من دون أية تخوفات أو مفاجآت تربك الشخص وأسرته بل حتى المجمتع كما نتلمسه اليوم في واقعنا المقلق.
ثمة حالة من السعادة في السابق مقرونة بالبساطة وحصول الجميع على مبتغاهم وما يريدون وهي سعادة كبيرة مقارنة بالشقاء في الوقت الحاضر والصعوبات التي يواجهها كل فرد وأسرة في تفاصيل جمة، قد يكون الأمر طبيعياً للأجيال التي عاشت تلك الفترات أو ما عايشتها عن طريق الحكي من الأهل، لكنْ بماذا نفسر ميل الأجيال الحالية - أجيال الحداثة وتكنولوجيا المعلومات والثورة الرقمية وتفاصيل الحياة الحديثة - الى تلك السنين، والتحدث عنها بشغف، وكأنهم جزءٌ منها. 
وقسمٌ منهم أخذ يقتني موجودات البيوت العراقية في تلك الفترات، سواء كانت بيوت المدن وأطرافها أو القرى والأرياف، فقبل أيام نشر أحد الأصدقاء عبر صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) صورة لـ(حبِ) ماء وضعه تحت شجرة في حديقة منزله وحتماً مع (طاسة) للشرب ووضع ما يعرف بـ(البساط) قربهما مع تعليق مقتصرة يشير الى أيام استخدام (الحبِ) قبل دخول أجهزة التبريد والتجميد للبيوت العراقيَّة
 كافة.