يعد النقاد رواية تانغو الخراب للمجري لاسلو كراسناهوركاي، الفائزة بجائزة المان بوكر، تحفة فنية وأدبية قل نظيرها، قالت عنها جريدة الجارديان « رواية هائلة الروعة مبنية بذكاء وفيها إثارة تأسر اهتمامنا برؤية مميزة» وقالت عنها الكاتبة سوزان سونتاغ « رواية عصية على التجاهل من أستاذ يغري بمقارنته مع جوجول وميلفيد، هي تشريح للخراب في أكثر صوره ترويعاً، وهي دليل لمقاومة هذا الخراب عبر العوالم الباطنية».

تدور أحداث الرواية في قرية معزولة متداعية المباني ومهجورة على الأغلب، تحت طقس سيئ وغامر المطر، تحاول شخصياتها أن تقاوم البؤس الذي يكتنف حياتهم من دون جدوى، يبتكرون طرقاً لخيانة بعضهم بعضاً، ويتبنون خططاً فاشلة تعمّق بؤسهم وتطرد أحلامهم، عبر سرد آثر المؤلف أن يكون عميقاً ومؤثراً بالتوغل الى عقول ودواخل شخصياته المنكسرة وضائعة الأحلام. 

ووسط هذا الخراب الذي تعيشه القرية وناسها الميؤوس من مستقبلهم يظهر من بينهم شخص (إرمياس) فيوهمهم بالخلاص ويعدهم بحياة أفضل فيلتفون من حوله ويخضعون لما يريد ويسلمونه أموالهم من أجل مشروع زراعي يعيد الأمل الى نفوسهم.

تفاصيل متشعبة تتناسل بسرد ممتع وأحداث غرائبية وحياة شاقة ومثيرة ولصوصية وخيانات لا تقف عند حد، في تلك القرية التي تمثل برمزيتها المجتمعات التي نعيشها ونحلم فيها بحياة أفضل، فهل السعي في هذه الحياة يؤدي فعلاً الى حياة أفضل، أم لابد من المرور بالنكسات والانكسارات والهزائم والخيانات لتستقر حياتنا؟ 

حينما تكون خائفاً من أمر ما، بسبب أنك تخطط للخروج من أزمتك وحياتك الراهنة، في ليلة مظلمة وماطرة وأنت تحلم بالخروج والاختفاء تحت هذا الطقس الذي لا يرحم، ثم فجأة يطرق أحدهم الباب عليك؟ فما عساك أنت فاعل؟ وعندما تريد أن تعيش عزلتك كما فعل الطبيب الوحيد في القرية، مفكراً بالحال الذي وصلت به الأمور الى الحضيض، ولا تريد أحداً أن يشاركك مخططاتك أو يقطع سلسلة أفكارك فإذا بك وأنت في حمى البحث تسمع صرير الباب ودخول أحد الأشخاص عليك، فماذا تفعل؟ وحين تبدأ بالهرب من حدود المكان الذي تعيشه مع شخص تثق به ثم فجأة تتلاشى الثقة فكيف يمكنك التصرف؟ كل تلك الاحداث واحتمالاتها واردة في رحلة شخصيات الرواية، التي لا يكف أبطالها عن المناورة والخداع والترقب في طقس سيئ وحياة أكثر سوءاً.

كل شخصية تحاول النجاة بنفسها، ولا تجد خططها الفاشلة ثباتاً، تريد أن تعيش بأية طريقة، طبيب القرية الوحيد يعاني من العزلة ويقضي أوقاته بين القراءة وكتابة يومياته وملاحظاته عن الآخرين والشراب الذي ينفد مع صعوبة الوصول الى الحانة في طقس لا علامة تشير الى تحسنه، وإيستي المعاقة التي تعيش في أسرة توبخها على الدوام وتذكّرها بأنها متخلفة عقلياً.

 يخدعها أخوها بالاستيلاء على نقودها بطريقة خبيثة، فيوهمها بأن عليها أن تزرع النقود فتثمر نقوداً أخرى وهكذا يذهب معها الى مكان ويحفر حفرة لطمر النقود ويطلب منها أن تأتي صباح ومساء كل يوم لسقيها، وفوتاكي الذي يحاول الحصول على مدخراته عند السيد شميدت وزوجته فلا يفلح، وشخصيات أخرى تظهر في كل فصل بحكايات جديدة في حياة لا جديد فيها، وتبدو شخصية إرمياس الأكثر قدرة على المناورة والمطاولة، يعيش حياة غير مستقرة كباقي الشخصيات، يُستدعى للاستجواب غير أنه لا يبدو خائفاً مثل صديقه فوتاكي، يخطط مع نفسه ولا يكف عن البحث عن خطط بديلة عندما تفشل خططه، لا ينخدع بسهولة، ويمكنه خداع الآخرين في معظم الأوقات، فهل يستطيع أن يخدع الناس كل الوقت مستغلاً حالة اليأس التي وصلوا إليها؟ هذا ما سنتركه للقارئ ليعرف

 الجواب.

 وبين السؤال والجواب سنتوقف كثيراً عند حكايات الشخصيات الممزقة في واقع لا يرحم وخراب لا تبدو له نهاية في آخر النفق، مع انهمار المطر الذي يتسيد الرواية ويحوّل الدروب الى أوحال يصعب المشي فيها فيعيش الناس معزولين ومحجورين ولا يخرج أحد منهم الا عند الضرورة القصوى.

رواية تانغو الخراب صدرت عن دار التنوير العام 2016، وبترجمة الحارث النبهان.