العلامة الجسد الاختلاف

ثقافة 2020/11/13
...

  أ.د. نجاح هادي كبة 
 
يقع كتاب (العلامة الجسد الاختلاف، تأملات في فلسفة مارتن هيدغير) للدكتور رسول محمد رسول بحدود (120) صفحة من القطع المتوسط، يحلل الكتاب فلسفة مارتن هيدغر (1889– 1976) الفيلسوف الالماني المشهور، لقد استفاد هيدغر من الفلسفات التي سبقته كالمينوفينولوجيا (لاسيما عند استاذه هوسرل) والانطولوجيا والهيرومينوطقيا فهيدغر خالف الفلسفة الشائعة منذ عهد الاغريق التي ترى ثنائية جسم الانسان بين الجوهر والهيولي اي بين الروح والجسم ونظر هيدغر الى الانسان كوجود ولم يركز عليه كموجود وبذلك فان هيدغر حرر الانسان من الصراع بين الروح والجسم وبين الذات والموضوع مخالفا الفلسفة الوجودية، التي جاء بها سارتر، التي اكدت انفصال الهيولى عن الجوهر وبناء على ذلك فان هيدغر تناول مفهوم الكينونة بشكل فلسفي مغاير لما سبقه وجعل الدازين متلازما للكينونة بنيويا وعضويا (ص: 25 ، من الكتاب) (وقد منح «الدازين» قيمة معينة تكمن في انه يفهم ذاته على الدوام ، 
انطلاقا من وجوده، من امكان ذاته ان يكون او لا يكون ذاته، وعرفه ايضا بأنه: الكائن الذي هو نحن انفسنا في كل 
مرة، ومن ثم خصه بامكانية التسأول) ص:25. 
ان هيدغر قد هدف من تلاحم الدازين مع الكينونة عضويا وبينويا وبأنه يفهم ذاته على الدوام يريد ان يصل الى التركيز على الوجود لا الموجود وبذلك فانه حرر الموجود ليلتحم مع المجتمع وعدم الانفصل عنه لان الوجود او الكينونة مرتبط بالدازين (ان يكون او لا يكون ذاته) ص:25 . 
ان تركيز هيدغر على الوجود لا الموجود اتاح ايضا للموجود ان يقيم علاقة اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية مع المجتمع الذي يعيش فيه، لان الوجود يقتضي عدم الاختلاف فهيدغر يرى انه (يوجد اختلاف او فرق بين الوجود والموجود وبين بقية الثنائيات المترادفة.. ذلك هو الفرق الانطولوجي) ص:73، مخالفا بذلك الانطولوجيا القديمة التي (تحتفي بالفرق والاختلاف كخاصية للوجود) ص:73، لذلك اكد هيدغر اهمية النسيان لازالة هذا الفرق الانطولوجي بين الوجود والموجود وبقية الثنائيات، (ان تخطي نسيان الكينونة كمشكلة كبرى يمكن في تخطي الميتافيزيقيا، وهو ما يعد علامة دالة على ذلك ربما يسمح للاختلاف والفرق الانطولوجي بين الوجود والموجود والكينونة والكائن ان يتنفسا هواء نظيف الاصل) ص :75 وبناء على ذلك فان هيدغر يبحث عما ينتشل الوجود من وطأة الموجود ليتعامل مع الانسان بوصفه متكاملا ومتلاحما روحا وجسدا، فقد جعل النسيان علامة دالة على التئام الفرق الانطولوجي بين البشر، لاسيما في اختلاف الهويات وبناء على ذلك يقول هيدغر: (ليس الوجود كينونة جاهزة او ماثلة أمامنا وان كان كذلك، كما انه ليس عالما مغلقا عصي الادراك والفهم وان كان كذلك ايضا، فمجرد فك اسر الوجود عن الاسوار الميتافيزيقية المفارقة يصبح ممكنا التعامل معه) ص: 97، وهيدغر يدرس الوجود او الكينونة في ضوء النظرية النسبية التي تستأثر بالوجود على الموجود ان الكينونة لن تبقى محجوبة ابد الدهر (ورغم رقاد الكينونة، فان الكينونة لن تبقى محجوبة ابد الدهر، ذلك ان الموجودات التي تظهر امامنا تظهر تحقق ضمنا ظهورا ما للكينونة.. ويضرب هيدغر مثالا على ذلك.. فعندما ينبت العشب الاخضر في الحقل في الربيع وتظهر الحقول خضراء.. من دون ان تظهر لنا الطبيعة نفسها بوصفها طبيعة) ص:32، ولا بدَّ من أن أشير الى ان هيدغر لم يكن وجوديا- كما ذكر عنه – بل فيلسوف صاحب نظرية عن الوجود والموجود، لذلك فهو دعا الى مقاومة الموت من خلال الوجود الاصيل – الوجود مع الاخرين – حينئذ يحقق الانسان امكانيته ويبتعد عن الوجود الزائف وهو عكس مايراه سارتر والسائرون في ركابه من الوجوديين حين قال: الاخرون هم الجحيم .